فلسطين تكتبنا أغنيات

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
لم أستغرب كثيراً حين قابلني قلبٌ من تلك الأرض وهو يبكي فرحاً لأنني كتبت عن جزء منها أصيب بنكسة، وتعرض لحرب شرسة مدمرة خلال هذه الأيام، بكى ذلك القلب فرحاً وهو يقول لي: شكراً لأنك أثبت أن القلوب متحدة والأمة بخير حين شبهت غزة بالفينيق المتجدد، ومع أني لم أفعل الكثير، إلا أن الكتابة لها دور في التعبير عن التآخي والإنسانية، وأننا جسد واحد وهمٌّ واحد، ومصير واحد .
ومنذ الطفولة ونحن نتهجّى اسم فلسطين، نلّونه في دفاترنا، نتغنى به وبأشعار من كتبوا عن هذه الأرض التي قدر لها أن تعيش على ويلات الحروب والحصار والدمار والموت، قدر لأبنائها أن يعيشوا فيها أو خارجها مشردين لأنها القبلة الأولى ومعراج الأنبياء، لأن لها مكانة عظيمة في القلوب جعلها ضحية للتقاتل على حبها .
فلسطين هذه الفاتنة التي يهواها الجميع، تعيش هذا القلق الدائم نتيجة هذا الصراع من أجل أن يكون طرف واحد هو الأولى بها، لأن الكل يعرف أن من تكون بيده مفاتيح أقصاها، فإن مفاتيح العالم تصبح في خدمته وتحت إمرته .
فلسطين خلدت أسماء الفاتحين في ذاكرة التاريخ العربي والإسلامي، وسطّرت بطولاتهم الكبيرة في المعارك التي خاضتها تلك الجيوش المتوالية، حتى ذهب إليها الخليفة عمر بن الخطاب عام 16 ه ليتسلم مفاتيحها من الامبراطورية البيزنطية بعد حرب وحصار من قبل جيش القائد أبي عبيدة بن الجراح، وخلدت فلسطين بعد هذا الحدث العظيم في تاريخ الأمة الإسلامية اسم القائد صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الصليبيين في معركة حطين .
فلسطين خلدت من خلال تلك الحروب معنى المحبة والتسامح الإسلامي مع الأديان الأخرى، وسمحت لهم بممارسة طقوسهم وعباداتهم والعيش بأمن وسلام .
ومع هذا التاريخ الإسلامي المخضب بالدماء من أجل استعادة هذه الأرض، إلا أننا تربينا في خليجنا على حب فلسطين، وتتلمذنا في مناهجنا على انتمائنا لها وانتمائها لنا، "ومن شب على شيء شاب عليه" لأن الطفولة نحت في الذاكرة والخيال والشعور، تربينا على ما يرقق الشعور ويهذب المشاعر، على الشعر الذي يوازن بين الصمود والتصدي وبين الحب والتعايش .
قرأنا نزار قباني وهو يتغنى بالقدس ويقول: "يا قدسُ . . يا مدينتي . . يا قدسُ . . يا حبيبتي . . غداً . . سيزهر الليمون . . وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون . . وتضحكُ العيون . . وترجعُ الحمائمُ المهاجرة . . إلى السقوفِ الطاهرة . . ويرجعُ الأطفالُ يلعبون" .
وقرأنا محمود درويش كثيراً وهو يقول "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" فهذا الشعب الذي عانى كثيراً آن له أن يرتاح من هذه المعاناة ويعيش في أرضه مالكاً آمناً ينعم بالسلام، لأن الأرض تحدثت على لسان درويش وهي تنتج قمحها الذي يرمز إلى البقاء وهو يقول: "أنا الأرض . . يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها . . احرثوا جسدي! . . أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس . . مرّوا على جسدي . . أيّها العابرون على جسدي . . لن تمرّوا" .
ومثل درويش تواصل النبض الشعري وتدفق ليصل إلى الشباب وهم يتغنون بها مثلما تغنى قيس حين مرّ على دار ليلاه، مثل درويش قال تميم البرغوثي:
"مَرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا
عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها
فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ
فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها"
وإذا فتحنا الباب على مصراعيه ليدخل منه الشعر، فإن الكلام سيطول، وسيدرك الصباح هذا الشهريار الأنيق ليتحدث عن شعراء خليجيين وشعراء من جميع البلدان العربية والاسلامية وهم يجسدون هذه المحبة لفلسطين، ويوثقون هذا التاريخ الذي لن يستطيع أحد أن ينتزعه من الذاكرة، ولتبقى فلسطين هي العنقاء التي تنفض عنها رماد الحروب، هي التي تكتب الأغنيات، وتهدي الجميع غصن زيتون يبشر بحياة جميلة .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"