في العام الجديد لا أملك إلا الفرح

23:51 مساء
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

في العام الجديد أحلم أن تكون القصيدة مساحة فرح لا نهائي، وأن أمسك بزمام الحلم وأتحاور مع الضوء في هدوء.
في العام الجديد، ربما تكثر أمنياتي، وأطمع في أن أعيش حياة على ضفاف البوح، أسامح فيها القصيدة وأغفر لها كل ما سببته لي من آلام.
في العام الجديد، يسكنني هاجس غريب، بأنني قد أطفو على سطح ماء وأمسك حبات الشعر وأنثرها في الفضاء البعيد، بيتاً من السلام وعطراً من المحبة وأقماراً صغيرة يلهو بها الصغار.
في العام الجديد يتدفق في قلبي فرح غامض، أمل لا يعرفني، شيء لا يصدق، لكني في حضرة عام جديد، سأسلم قلبي للآتي فلعل العام الجديد يغسل أحزان العام الفائت.
في العام الجديد، لا أملك إلا التفاؤل رغم الإحباطات اليومية التي تحيطني كسياج، وتكبلني كطائر في فضاء الشعر، فالعام الجديد موطن فرح وموطن اللقيا الجميل مع أمنيات الأهل والأصدقاء والأحبة، وأنا مضطر بكامل هيئتي رغم كل ما تفعله بي القصيدة من عناد أن أدخله وأنا متذرع بالأمل ومغروس في الأرض كنخلة ومسكون بالنور في زمن العتمة.
مضطر إلى أن أتنازل للقصيدة عن شرف منافحتها والضغط عليها حتى تزورني في العام الجديد، وكم أنا خائف من زيارتها المفاجئة لكوني أتوقع أن تغمرني في هذه اللحظات السعيدة بأمطار الألم وجرافات الحزن، وأن تدفعني إلى عناقها، وأنا في هذه الحالة من الانبساط، كل الشعراء يحبون أن تأتي القصيدة إليهم في أي شكل، المهم أن تأتي حتى تحدث المعجزة وتتلاقح الأفكار ويخرج الشيء الذي يسمونه الكلام، وأنا مثلهم تماماً، لكن قصيدتي في هذه الأيام تجلدني، وتقيم عليّ الحد، وتجعلني أدفع لها غرامة تأخير، وغرامة أخرى للوقوع في غرامها وعشقها الأبدي.
في العام الجديد، مضطر إلى أن أخاصمها رغم عنادها الشديد، فهي لا تدعني أتعامل معها على هواي، وتسير دائماً على غير رغبتي، وفي كثير من الأحيان تقلق مضجعي، وتنزع عني النوم وتدفع عني الغطاء في الليالي الباردة، وتجرجرني كعامل متهالك، وتجلسني أمامها حتى تشرب قهوتها وتمشي بين أصابعي وتحرق قلبي وتندفع كشلال في نهاية الأمسية على الورق الأبيض، وبعد أن أظن بأنني استرحت ، أسقط من شدة الإعياء.
في العام الجديد مضطر إلى أن أهادنها إن قَبلتْ، وأن أطلب منها استراحة مؤقته حتى أسلم على أصدقائي بوجه باسم، وعلى عيالي بقلب منشرح، وعلى أهلي بفرح طفولي، وعلى جيراني وأنا متشح بالبهجة، لكنني أعلم سلفاً بأنها لا تقبل المهادنة ولا ترضى إلا بتعبي الجميل فكم مرة طلبتها في الهاتف وألححتُ عليها أن تزروني وكنت أجد في ذلك ما وسعني الجد لكنها كانت تتحجج بارتباطات كاذبة وتختلق أسباباً غير مقنعة وعندما كنت أيأس منها كانت تأتي على كيفها.

في العام الجديد مضطر إلى الابتعاد عن سماع الأخبار ومشاهدة النشرة الإخبارية، حتى لا تأكلني أناملي، وتشجعني على الكتابة، مضطر إلى أن أغير مواعيد مشاهدتي للتلفزيون وسماعي لبرامج الإذاعة وإغلاق المواقع الإخبارية على الهاتف التي ترسل لي إشارتها حتى لا أتورط في كتابة الشعر، أريد في العام الجديد أن أتنسم الفرح وأعيش بلا حزن، في العام الجديد مضطر إلى أن أذهب إلى كل من يشيع في قلبي الفرح ويمنحني جرعة من السعادة، مضطر إلى عدم قراءة الشعر حتى لا تغازلني الموسيقى، مضطر إلى أن أغير نمط حياتي علّني لا أصطدم بالقصيدة فيتغير كل شيء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"