مناهج الشعر عطش إلى الجذور

23:54 مساء
قراءة 3 دقائق
الشعر ماء لا يجف، نهر لا يعرف أين مصبه، نار تسري في الأعماق، عطش إلى الجذور، لغة لا ندري من أي شجرة توقد، وعلى هذه الأرض التي عشنا فيها جوعى للشعر لا نشبع منه مهما امتلأت حناجرنا، نحن إلى جذرنا اللغوي الموصول بعروق الشعر، وإذا كان الشعر هو الحياة بكل تفاصيلها المدهشة فإنه في مدارسنا القديمة كان له وجه آخر فحين كنا ندرسه ونحن صغاراً تحدث لنا أشياء لا تخطر على البال، حيث الترنح الذي يجتاحنا، وكأننا سكارى بمائه، كانت القصيدة تتلى علينا لشاعر عربي فحل تغير محيطنا، وتشدنا إلى عالم الشعر، وفي كل مرحلة من مراحل دراستنا في الماضي كانت القصائد الشعرية هي ملمح المنهج، بها نستضيء ونحلق في عالم آخر، كانت المناهج متخمة بوهج الشعر العربي الأصيل، ما بين لغة قوية لشعراء الجاهلية ولغة أخرى إسلامية رققها الفتح الإسلامي، وأضفى عليها جلالاً وبهاء، في تخوم هذه المناهج تربت ذائقتنا وتعرفنا إلى نهر الشعر الجميل، فتحركت الشجون والتصق الكثير من أبناء جيلي بالشعر، أحبوه استمتاعاً فقلد بعضهم شعراء العربية الكبار، حتى أصبح لكل واحد منهم أسلوبه الشعري الخالص، ودائماً أفكر في هذه الأيام الماضية، أفكر فيما فعله الشعر بنا من خلال المناهج المحكمة التي كانت تملأ الوجدان لغزارتها وتنوعها، والتي لها فعل السحر، فهي التي وسعت المدارك، وجعلت لغة الشعراء تسري في الأفواه بسلاسة وجمال فكان الشعراء.
واليوم تعيش المدارس العربية قحطاً في المناهج التي أصبحت قشوراً في اللغة والشعر والقصائد، قشوراً تدرس لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا سألت طفلاً أو مراهقاً أو شاباً ما الذي تعرفه عن شعرنا العربي أجابك بكل اعتزاز بأنه لا يعرف شيئاً عن هذا الذي يسمى «ديوان العرب»، ويستغرب إن أرخيت له حبل السؤال وحدثته عن النابغة وامرىء القيس وزهير، والطامة الكبرى أنه قد يتعثر في قراءة بيت من الشعر، فلماذا غاب منهج اللغة العربية الرصين عن مدارسنا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نغذي العقول خصوصاً أن كل الظروف مهيأة الآن لكي يتعود اللسان على اللفظ العربي الجميل في ظل كل المبادرات العظيمة التي تحمل الخير لأبناء العربية.
إننا نعيش عصراً ذهبياً في ظل هذه المبادرات التي تستطيع أن تعيد للعربية مجدها القديم، وربما إذا شكلت لجان منبثقة عن هذه المبادرات لتعيد تشكيل مناهج اللغة العربية وتعطي للشعر العربي حقه تحدث المعجزة الكبرى، فلا أحد يستطيع أن يتجاهل دور الشعر في تحرير اللسان من عقدة القول وتحرير العقل من الجمود على اعتبار أن اللغة العربية ساكنة بمفرداتها الغزيرة في ديوان الشعر العربي، ولو عاد الزمن وحفظ أبناء هذا الجيل المطولات الشعرية لاستقام اللسان ولتغيرت اللغة في الأفواه، كما أن الشعر بما يحمله من مفردات لها معاني يعطي للفرد رصيداً وافراً من الكلمات، إذ إنه بقدر ما يحفظ الإنسان العربي من مفردات بقدر ما يستطيع التعبير من أقرب الطرق، إذن اللغة العربية هي المجد الباقي، والشعر العربي هو الميراث الخالد والمناهج الدراسية تحتاج إلى أن تتوسع في دراسة الشعر العربي والتعرض لفنونه وأساليبه بصورة أكبر، فالشعر هو الحياة والحياة هي الشعر.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"