يا عيد

01:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
اختلفت في يوم العيد تفاعلاتنا النفسية، واختلفت معها عباراتنا كل حسب الظرف الذي يعيشه .
ضحك أناس وبكى غيرهم، وحاول البعض رسم الابتسامة ومجاملة الناس وهو يخفي جمراً خلف قفصه الصدري، وظهر آخر بوجه شاحب حزين لا يعرف للعيد طعماً ولا لوناً ولا رائحة .
في يوم العيد خرج للشارع من يلبس الثياب الجديدة، ويعطر الشارع بعطر جذاب ورائحة بخور وعود .
ذهب البعض إلى مصلى العيد مهللين مكبرين شاكرين ربهم على عظيم نعمه، واحتجب البعض عن الظهور نتيجة مرض أو تعب، واكتفى بمتابعة ما ينقل من أفراح عبر القنوات الفضائية في انتظار من يدخل عليه بيته مهنئاً بهذا اليوم المفرح .
هناك من فتح مجلسه لاستقبال الناس، ووجد الداخل إليه أصناف الفواكه والحلويات والشاي والقهوة، والبعض انشغل بذبح الذبائح وقام بتوزيع بعضها على الفقراء، واستخدم بعضها قوتاً له ولعياله ومن يستضيفه، وهناك من لا يملك سعر "الذبيحة" التي يتفنن البعض في توزيعها وطبخها بطرق مختلفة .
هناك من لا يستطيع الخروج من منزله خوفاً على حياته من أن تصطاده قنبلة أو قذيفة أو صاروخ يدك منزله، أو رصاصة قناص ترديه قتيلاً فيزيد من مساحة الحزن على أهله وأولاده .
تفاعلات كثيرة لا تعد ولا تحصى شهدها يوم العيد، ولا تتسع المساحة لذكرها، لكن الشعر يأبى إلا أن يبوح ويجسد بعض ما يشعر به البشر، فالشاعر ابن مجتمعه يعيش فرحه كما يشعر بحزنه، وهو المتحدث بلسان من لا يستطيع الحديث، ومن يتحدث بدمعة أصدق من الكلام، لكن الشعر ينقل هذه الدمعة إلى الآخرين بكلام مؤثر، ولا ينسى البعض حينما يتذكر الشعر أن يتذكر أبا الطيب في حواريته المعروفة مع العيد "عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ؟ لما مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ" .
هذه الحالة النفسية التي عاشها المتنبي لم تكن حالة خاصة، أو هي خاصة لكنها تشظت لتصل إلى شرائح مختلفة، وتعيش في أزمنة مختلفة أيضاً، وهذا ما يفعله الشعر، فهو تدفق للمعنى، وجريان للفكرة، ولا يعرف الركود أو الموت .
ها هو شاعر يستبق العيد بحالة نفسية بائسة طالما أن حبيبه بعيد عنه، فهو لن يشعر بالفرح الذي يشرق مع شمس يوم العيد:
(قرّب العيد والمحبوب عني بعيد/ أتوجّد عليه ودمعتي حايره) .
وشاعر آخر يؤنسن العيد ويجعل له نبضاً، ويصوره وكأنه إنسان يطوف الشوارع ويلبس أجمل الثياب تعبيراً عن الفرح، لأن من مهمة الشاعر أن يحرك السواكن:
أطل العيدُ في ثوبٍ جميلٍ/ يطوفُ على الروابي والسهولِ .
الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين تئن حروفه من الوجع وهو يتذكر أيام صباه الأولى التي تتجلى فيها البراءة بحلمها الجميل:
يا عيدُ عرجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ / تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبا/ يا عيدُ عُدنْا أعِدْنا للذي فرِحَتْ / به الصغيراتُ من أحلامنا فخبا .
والعيد ربما يكون مختلفاً في بلد محمود درويش، فهو لن يكون ناعماً لأن القنابل التي أحرقت الأرض والبشر في غزة خلال هذه الفترة خلفت الأنين والوجع والدمار، عذراً درويش فهذه الأيام أشد إيلاماً، والسماء أصبحت تمطر قنابل انشطارية، وأثمر هذا المطر شظايا تطير إلى السماء، وأنت تقول:
مطرٌ ناعمٌ في خريفٍ بعيد - والعصافيرُ زرقاء . . زرقاء والأرض عيد .
وعلى ذكر الشعر فإننا نتذكر شعراء حضروا العيد من قبل، لكنهم لن يحضروا هذا العيد لأن الموت غيبهم عنا مثل سليمان الفليح وعاطف الفراية - رحمهما الله .
بقي أن نتعالى على كل الأحزان، وأن نستغل أيامه للفرح والجمال، ولا ننسى أن ترتفع مع هذه الفرحة القلوب والأيادي إلى السماء داعين الواحد أن أن يكون القادم لكل المنكسرين عيداً وفرحاً بعد تعب ومشقة وموت، وكل عام وأنتم بخير . .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"