أصوات الفتيات

04:35 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

في ظل المتغيرات العالمية السريعة التي طالت الكثير من المساحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في حياتنا، تبرز العلاقة بين تمكين المرأة على مختلف الصعد ونجاح التجربة الحضارية عموماً، أكثر من أي وقت مضى، وعندما تشير أحدث تقارير هيئة الأمم المتحدة (العائلات في عالم متغير 2019-2020) إلى وجود شكل عائلي «قياسي» يستدعي أن تتطور القوانين والسياسات وتتكيفا حتى يتسنى لهما دعم العائلات وتلبية احتياجات جميع أفرادها، فالتقرير يضعنا وبالاعتماد على أفضل البيانات المتاحة حول العالم، أمام تقييم جوهري لعملية الانتقال بنساء العالم إلى ما نطمح إليه من تعزيز قيم المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في مجالات عدة أهمها حقوق الإنسان.
لكن ذلك جانب واحد من القضية، إذ إن النساء لا يزلن يعانين تراكمات ثقافية وجندرية في أماكن العمل ذاتها «العائلة الثانية»، حيث لا تزال صراعات ولدتها اختلافات طبيعة التنشئة بين الجنسين، والصور النمطية عن الرجل والمرأة إضافة إلى المتغير الديموغرافي وأسبابه التي يتمثل أبرزها في الحروب والكوارث الطبيعية والهجرة، إذ يقف كل ما سبق ذكره كجدار أمام الثورة الفكرية والمعيارية المدفوعة بقدرة النساء المتزايدة في كل مكان على المشاركة وإسماع أصواتهن والحصول على استقلاليتهن في التعليم والزواج والاعتراف الاجتماعي والمهني والقانوني.
لا تزال تلك العلاقات الصغيرة اليومية بالعمل ورؤسائه وزملائه ومتطلباته التنافسية تعيد المرأة إلى المربع الأول في أحسن الأحوال، ونظرة واحدة على نسبة تمثيل النساء في أعلى هرم الكثير من الحكومات والمؤسسات والقطاعات الحيوية حول العالم، هي خير دليل على أن هناك حاجة ضرورية للالتفات لا إلى القضايا الكبرى في هذا السياق، بل وإلى تلك المتعلقات الصغيرة التي يمكن إرجاع جذورها إلى طريقة تربية الذكور والإناث، والأسلوب الذي تفرضه الثقافات المختلفة على وعي الفتيات الصغيرات بالحياة. إن الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة يتمثل في «تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام والعمالة الكاملة والمنتجة وتوفير عمل لائق للجميع»، لكن الأمر لا يقتصر على وضع السياسات الملائمة واللوائح في مكان العمل، بل يتعداه إلى الوعي الذي يجب أن يتم تعزيزه في عملية التنشئة ذاتها في الأسرة والمدرسة، وهي أمور تطال طريقة الكلام وأسلوب المعاملة اللذين يختلفان باختلاف النوع، والكيفية التي يتم التعامل من خلالها مع النجاح والفشل والتصور وبناء الأهداف والنظرة للمستقبل.
عندما نعلم فتياتنا ضرورة أن يكون لهن صوت واضح، وأن يطلبن - لا أن يطالبن - ما يردن، وأن يحكين عن إنجازاتهن، ويعبرن عن خيبة أملهن، بالطريقة التي نعلم بها الفتيان، نكون قد استشرفنا مستقبل أماكن العمل والكيفية التي ستتعامل بها النساء مع التنافسية والتعاون والهيكل الوظيفي والسلم الذي يصل بين قاعدة الهرم وقمته، دون أن تضطر إحداهن لإخماد حقها الطبيعي في أن تتوقع لنفسها النجاح في قيادة التغيير في مجتمعها، وكل عام ونساء العالم بخير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"