استجابة مبكرة

04:39 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

بالنظر إلى الحدث الراهن الذي تلاشت أمامه كل النكبات والمشاريع، ليصبح المسيطر على أحاديثنا اليومية، فلا يُطرح موضوع إلا وارتبط بجائحة «كورونا» وآثارها ومسبباتها وأبعادها، أجد نفسي منجرة للكتابة عن «كورونا» للأسبوع الرابع على التوالي.
لقد كانت هذه الأزمة متوقعة، وقد تم عرض احتمالية وقوعها عام 2006 في خطاب ألقاه لاري بريلينت بعنوان «ساعدوا لإيقاف الوباء القادم» حصد أكثر من مليون ونصف مليون مشاهدة عبر الشبكة، بريلينت الذي شهد القضاء على آخر حالة للجدري عام 1980 في الهند، بعد أن أفنى الوباء أكثر من 500 مليون شخص حول العالم، قدم مجموعة من الصور والحقائق المريعة حول أمراض أخرى متوقع أن تشل حركة البشرية مثل الإنفلونزا التي تنتقل من الطيور والحيوانات الأخرى إلى البشر، إلا أن العالم غض النظر عن صرخة الاستغاثة المدعومة بتنبؤات علمية وطبية لأسباب مختلفة أبرزها الاقتصادية.
رفع بريلينت شعار «الكشف المبكر الاستجابة المبكرة» وهو يروي عن رحلات للتنقل من بيت إلى آخر في الهند، لإجراء عملية بحث شاملة لحصر الحالات المصابة بالجدري وعلاجها، واستطرد في الحديث عن توقعات بانهيار في الاقتصاد العالمي بسبب تنقل أمراض خطِرة من دولة إلى أخرى؛ بسبب أنماط التواصل السريعة والدائمة بين مجموعات البشر.
الحقيقة الواضحة للعيان تتمثل في أنه لا يمكننا أن نقي أنفسنا مما لم نبحث عنه، وفي زمن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تم الكشف عن مؤشرات كثيرة لوباء «كورونا» الذي أطلقت بعض الشركات المتخصصة في البحوث والدراسات تحذيراتها بشأنه مبكراً في ٢٠١٩، ولكن مرة أخرى كانت هناك مماطلة عالمية بل وإهمال تام لنمط انتشار المرض وأعراضه مما كلف العالم أكثر من ١٧٠ ألف حياة حتى اللحظة، و٢٥ مليون وظيفة وفق تقديرات الأمم المتحدة، وأكثر من ٩ تريليونات دولار أمريكي كما صرح صندوق النقد الدولي قبل أيام.
قام فريق بحثي مؤخراً في جامعة إم آي تي بتطوير أنموذج تعلم آلي قادر على التنبؤ بكيفية انتشار الفيروس في ظل قيود الحجر الصحي، يهدف إلى الكشف عن تأثير سرعة استجابة الحكومات باتخاذ الإجراءات المختلفة للتعامل مع الفيروس، ومقارنة أثر ذلك بين الدولة التي تلكأت في الأمر مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو تلك التي كانت سريعة وحاسمة مثل تايوان، وأثر ذلك على تسطيح المنحنى.
هذا الأنموذج يمكن أن يمثل نواة لمشاريع استشراف مستقبلية، تتم فيها المزاوجة بين التعلم الآلي وعلم الأوبئة لبناء استراتيجيات متعلقة بإدارة الأزمات من هذه النوعية، ويمكن أن يتم تبنّيه في كل الدول، من خلال بناء مختبرات متكاملة ودعمها بالميزانيات الكافية وفرق العمل المتخصصة، مما يطرح تساؤلاً مهمّاً حول مدى استعداد العالم لخطوات مثل هذه، فهل تملك الدول ما يكفي من المصادر والكفاءات لإنجاح هذه النوعية من المشاريع؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"