نبلاء «كورونا»

05:24 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

«إذا أردت أن تتكهن بما يمكن أن يكون عليه المستقبل، عليك أن تتأمل ما عليه الماضي» كما يقول عالم الاقتصاد الكاتب الدكتور جلال أمين، إلا أن هذه الجائحة الكونية التي تضرر منها مئات الآلاف من البشر، وفقد آلاف غيرهم حياتهم لأسباب كثيرة أبرزها نقص الإمدادات الطبية والطاقات الاستيعابية للمستشفيات وأماكن الحجر في دول كثيرة حول العالم، يوجد لها سبب أكاد أضعه على قائمة الأسباب وهو تجاهل التعليمات الصادرة عن الحكومات والجهات المختصة من قبل فئات كثيرة من البشر عن قصد وجهالة، وعلى ضوء ذلك لا أدري إن كان هناك درس في الماضي القريب أو البعيد يمكن العودة إليه لفهم ما يحدث.
«كوفيد 19» أكثر الأسماء تداولاً عبر كل المنافذ الإعلامية والتواصلية، والذي تسبب في شل أنظمة اقتصادية وصحية كلياً أو جزئياً كشف عن خلل في ثلاث مناطق أساسية هي الوعي، والإنسانية والجاهزية، وكان الأول هو أول ما سقط عنه القناع ليبرز ترهلاً غير معهود في المنطق الجمعي للبشرية المدفوعة بالخوف واللامبالاة على حد سواء، وقد تحول الفيروس إلى ظاهرة عارضة قد تمتد لأشهر عديدة وستخلف أثراً ممتداً على مختلف مناحي حياتنا، بل وأظن أنها ستكون عاملاً حاسماً في مستقبلنا القريب.
إن تقدمنا التكنولوجي المتسارع في جزء كبير من الأرض رافقه تخلف في البناء المعرفي والذي أساسه النقد والتحليل والمنطق، وللمفارقة يكمن العلاج في بطن التقدم ذاته إلا أن هذه المحاولة تتعرض للكثير من الهزات التي تجعلها أشبه برميات عشوائية في مرمى ضبابي، والأمر مرهون بعودة الوعي فينا إلى رشده، وعدم السقوط في فخ الرهان على التكنولوجيا كحل وحيد، فالتاريخ الذي نعرفه هو ليس تاريخ الانتقال من الأسوأ إلى الأفضل بالضرورة، وما حدث تطور في مكان إلا وقابله تراجع في مكان آخر.
إن «كورونا» الذي أسقط الكثير من الأقنعة، نفض الغبار عن معادن أصيلة تمثلت في تلك الجهود والمبادرات العظيمة التي تصدرت المشهد الصحي حول العالم، حيث حملت آلاف من فرق العمل من أطباء وممرضين وعاملين في الفرق الإدارية والإغاثية على عاتقها تقديم كل العون للمتضررين من الكارثة، وقد وصلتنا مقاطع وصور لأشخاص لم يتوقفوا إلا ليختلسوا من الزمن بضع دقائق تمدهم بالطاقة لمتابعة عملهم النبيل، ومنهم كثر ممن ضحوا بحياتهم في ظل نقص أبسط الاحتياجات الوقائية في غرف الطوارئ، ولا يسعنا نحو كل ذلك نحن الآمنين في هذا الوطن الغالي إلا أن ندعو لهؤلاء النبلاء بطول العمر والسلامة، ونطلب لأرواح الراحلين منهم الرحمة والمغفرة، دون ذكر دين أو جنسية أو عرق أو نوع، فنحن في عصر اتحدت فيه الدول كما اتحد اقتصادها وفكرها، وبقي أن يتحد وعيها وإنسانيتها حتى نتمكن من الصمود في وجه هذا الخطر العالمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"