هل أنت متنمر؟

04:28 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

قد يبدو السؤال غريباً، لكن الوضع يحتاج إلى سؤال بهذه الفجاجة، حين تطاردنا مقاطع فيديو لمتنمرين قرروا أن يضحوا بإنسانية أطفالهم أمام الكاميرات، فلم يعد يستحي كثر ممن يقومون بمثل هذا الفعل لا من خالق ولا مخلوق كما يقال، بل ويحلو لهم «التموضع» بطريقة لا تترك للمشاهد مجالاً للشك في أن ما يحدث هو تعنيف صريح جسدي ولفظي ومعنوي، يتعرض له طفل لا يجيد من اللغة غير طفولتها في صراخ ونظرات حائرة بين الفاعل والموثق للمشهد، والإشارة هنا لمقطع انتشر مؤخراً يظهر أباً من جنسية عربية يجبر طفلته على الوقوف بالضرب والصراخ، ثم يتبعه بمقطع آخر تمشي فيه الطفلة ليبرر شناعته بتردي حالته النفسية وهجر زوجته وإلى آخر كل المبررات التي لن تشفع له في عيون كل إنسان.
من الوارد تماماً أن يلعب المتنمرون أدوار الضحايا رغم تناقض الدور مع الموقف، وأن يبرر البعض ممن تجردوا من آدميتهم الفعل، لأنهم يعتقدون بصحته ولذلك خلفيات في تاريخ الفرد نفسه قد تتجذر فيها ممارسات الديكتاتورية والعنف في الأسرة أو المجتمع، ويقودنا ذلك إلى أن ما يحدث هو طعنة في خاصرة الإنسانية عموماً، فإنسان اليوم هو أقرب إلى التجرد من قيم التعاطف والرحمة، لأسباب نفسية وعقلية لا مجال لذكرها هنا.
ولكل واحد منا واجب أمام نفسه وأمام الآخرين في أن يحلل طبيعة شخصيته، وإن كانت تميل للإيذاء الانفعالي الذي يتمثل في سلوكيات عدوانية ورغبة في التحكم في الآخرين والتصعيد، واستغلال سلطته في مكان عمله أو في أسرته بشكل غير سوي، وقدرته على الاستمرار في المخاصمة لفترة طويلة، واستعماله لأسلوب التهديد والترهيب، وإطلاق الأحكام القاسية على الآخرين، وتجاهل احتياجاتهم وآرائهم ومشاعرهم، والحكم بشكل استباقي ومتطرف والتعامل بالدكتاتورية وبمنطق الرأي الواحد، فإن كان في سماته كل ذلك أو شيء منه، فوجب عليه التعامل مع مشكلته بأسرع وقت، حتى لا يُوقع المزيد من الضحايا في براثن سهوه واستهتاره.
أما المتعرض للتنمر فإن كان راشداً وحاكماً في أمره، فمن الضروري أن يخرج من عزلته ويقاوم السلوك بوقفة فيها من الحزم والحكمة الكثير، وأساس الأمر الوعي قبل أي شيء بخطورة تجاهل الموقف وآثاره النفسية والاجتماعية فيما بعد، إضافة إلى التأكيد والدفاع عن حقه في الأمن النفسي وجودة الحياة.
أما أطفالنا فلا بد من السعي إلى حمايتهم وحفظ كرامتهم وطلب الدعم من الجهات المعنية في حالة الضرورة القصوى كما حدث في واقعة الأب والطفلة، إضافة إلى إحسان بنائهم النفسي والمعنوي وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتلبية احتياجاتهم العاطفية وإيمانهم بقدراتهم وطاقاتهم وتميزهم، فإن تمكنا من ذلك فقد ساهمنا في بناء أجيال قادمة سوية وخالية من التنمر.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"