«الأوبئة».. تحديات جديدة

04:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

وفّر ميثاق الأمم المتحدة، نظاماً لإدارة الأزمات الدولية، فالمآسي التي مرت بها البشرية خلال النصف الأول من القرن الماضي، جعلت الأمم المتحدة من حفظ السلم والأمن الدوليين أهم مرتكز لوجودها، إلى جانب إنماء العلاقات الودية بين الدول، وتعزيز التعاون الدولي، وجعل الهيئة إطاراً لتنسيق المواقف والمبادرات خدمة لهذه الأهداف، وهو ما تؤكد عليه المادة الأولى لميثاقها، ومن أجل تحقيق هذا المطلب العالمي الملح، حاولت الهيئة الاستفادة من أخطاء الماضي، وبخاصة تلك المتصلة بهفوات عصبة الأمم، التي شكّل اندلاع الحرب العالمية الثانية إعلاناً رسمياً لوفاتها.
نهجت الأمم المتحدة في سبيل تحقيق أهدافها الرئيسية مسلكين، الأول، ذو طابع وقائي، ويتلخص في العمل على منع الأسباب المهددة للسلم والأمن الدوليين، وتوفير المناخ الدولي الملائم والمناسب لخلق علاقات دولية ودية، يطبعها التعاون والإخاء، مع تبني مجموعة من المبادئ التي ألزمت بها المنظمة نفسها وأعضاء المجتمع الدولي أيضاً، من قبيل المساواة في السيادة بين الدول وتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية وفض النزاعات بوسائل سلمية وعدم التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً في العلاقات الدولية.
والثاني، ذو طابع علاجي، ويتلخص في تحرك المنظمة بأجهزتها المختلفة لحل المنازعات والأزمات القائمة، بشكل سلمي بموجب مقتضيات الفصل السادس من الميثاق، أو بشكل زجري بواسطة مجلس الأمن في إطار مقتضيات الفصل السابع منه، والتي تتيح للمجلس سلطة تقديرية واسعة لتحديد الحالات النقيضة للسلم والأمن الدوليين.
تكرر تعبير «السلم والأمن الدوليين» على امتداد فقرات عدة من الميثاق الأممي، وعلى الرغم من أهمية المفهوم ، فإن الميثاق لم يفصّل في مدلوله بصورة دقيقة، ما يعكس في جزء منه، وعي المشرّع الدولي بالتبدلات والتغيرات التي تطال هذا المفهوم تبعاً لتطور العلاقات الدولية.
وعلى الرغم من ذلك، ظل تفسير الأمم المتحدة لهذا المفهوم ضيقاً؛ حيث ركّزت مجمل جهودها وتحركاتها في تدبير المخاطر والأزمات العسكرية، على حساب عدد من المخاطر الأخرى العابرة للحدود، كما هو الشأن بالنسبة للإرهاب وتلوث البيئة والجريمة المنظمة والأمراض الخطرة.
شكلت جائحة كورونا مناسبة لتجريب نظام الأمم المتحدة لإدارة الأزمات وقياس فاعليته، ولمدى استيعاب هذه الهيئة حجم المخاطر والتهديدات التي باتت تواجه الإنسانية جمعاء. فعلى الرغم من خطورة الكارثة التي خلفها تمدد فيروس كوفيد- 19، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.. بصورة غير مسبوقة، بدا دور الأمم المتحدة باهتاً، ودون حجم الخسائر التي ما زالت تتزايد كل يوم بفعل انتشار الوباء، الذي أصبح يمثّل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين.
وعلى الرغم من جهودها المرتبطة برصد ومواكبة الحالة الوبائية عالمياً، وإصدار مجموعة من التعليمات والنصائح الوقائية، ومبادراتها المتصلة بمتابعة مختلف النتائج العلمية الحديثة التي طرحتها مجموعة من المختبرات حول العالم بصدد مرض كوفيد- 19، تعرضت منظمة الصحة العالمية وهي الوكالة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، لانتقادات دولية واسعة، اتهمت خلالها بعدم التعاطي بقدر من المسؤولية والصرامة مع الجائحة، وبالتأخر في التحذير من خطورتها.
وعلى الرغم من إقرار الأمم المتحدة من خلال بعض مسؤوليها بأن الأمر يمثّل تحدياً كبيراً تواجهه المنظمة الدولية منذ تأسيسها قبل 75 عاماً، وأخطر محطة يعيشها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فإن تقييم جهودها على امتداد ظهور الفيروس، يبرز أنها لم تتحمّل مسؤولياتها المفترضة في هذا الخصوص، على أحسن وجه.
وأمام هذا الوضع، يظل السؤال مطروحاً: هل تملك المنظمة الأممية استراتيجية واضحة المعالم، تمكنها من التعاطي البناء مع تبعات الوباء مستقبلاً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.. أم أن مصداقيتها؛ بل ووجودها سيكونان على محك متغيرات كبرى ستخلفها الجائحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"