«باروخ جولد شتاين» الأسترالي

05:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

المجزرة المروعة التي ارتكبها الإرهابي برينتون تارانت في مسجد النور في مدينة «كرايست تشيرتش» في نيوزيلندا، والتي راح ضحيتها العشرات ما بين شهيد وجريح، يوم الجمعة الماضي، هي جريمة تستدعي التوقف عندها ليس من أجل الشجب والإدانة فقط، فإدانة أي جريمة تقع في أي مكان من العالم تستوجب الإدانة، من الناحية الأخلاقية والإنسانية، لكن هذه المجزرة الإرهابية بامتياز، تدعونا إلى التوقف عندها، باعتبارها من الناحية العقائدية والسياسية، إحدى تجليات تنامي اليمين المتطرف في الغرب، ووصول بعض أحزابه إلى السلطة في أكثر من دولة غربية، ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث تمثل الإدارة الأمريكية الحالية، الحالة الأكثر وضوحاً، في فلسفة التطرف العنصري اليميني، والمايسترو لأوركسترا الأنغام العنصرية المتطرفة النشاز على مستوى العالم.
وعندما يقدم الإرهابي تارانت مبرراته لجريمته في أكثر من سبعين صفحة، على مواقع التواصل الاجتماعي، مليئة بالإشارة إلى أحداث تاريخية، أصبحت من الماضي، وتعود إلى حقبة حروب الفرنجة، وعندما يشيد القاتل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويتحدث عن خطر المهاجرين والمسلمين على أوروبا، فإن ذلك يعني أن هناك إيديولوجيا وقناعات سياسية، شكلت المنطلق الأساس لهذه الجريمة المروعة، وليست عملاً إجرامياً منعزلاً، كما تحاول الماكينة الإعلامية الغربية تسويقه في العديد من دول الغرب، التي ما كانت لتتأخر عن إطلاق صفة الإرهاب على هذه الجريمة الإرهابية البشعة، لو كان القاتل مسلماً، أو عربياً.
وهذه الإيديولوجيا العنصرية، لم تكن لتنمو بهذا الشكل الكبير والمتسارع، لولا فشل الأحزاب الأوروبية الغربية أخلاقياً، وإخفاقها في تجاوز فلسفة التعصب القومي والعنصري التي اجتاحت أوروبا خلال وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي فلسفة أورثت العالم كوارث لا يزال يعانيها حتى يومنا هذا، حيث نشهد تزايداً غير مسبوق في خطاب العنصرية والكراهية، ضد الآخر في المجتمعات الغربية، رغم تشدقها المستمر، بالحرية والمساواة، وغيرها من الشعارات.
والحقيقة أن مجزرة نيوزيلندا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقي خطاب التشجيع على الكراهية والتعصب العنصري يسيطر على الغرب، ولا سيما ضد العرب والمسلمين، حيث أضحت «الإسلاموفوبيا» تتنقل من بلد أوروبي إلى آخر، حاملة معها المزيد من المخاطر ليس على العالم فقط وإنما على الغرب ذاته أيضاً.
ويبدو أن العالم الغربي يشهد في الفترة الأخيرة، تنامياً كبيراً لليمين المتطرف، حيث لم تعد الأحزاب اليمينية المتطرفة ظاهرة هامشية في المشهد السياسي الأوروبي، بل أصبحت ذات ثقل شعبي أيضاً، وطرفاً ثابتاً في المعادلات الانتخابية في الغرب، وفاعلاً كبيراً في صياغة الرأي العام الأوروبي خاصة بعد تفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وموجات الإرهاب التى لا يشك أحد بوقوف العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية وراءها.
و يمتاز الخطاب السياسي والوطني للأحزاب اليمينية في الغرب بصياغته العدوانية ونزعته الإقصائية التي تكشف طبيعته الشوفينية واعتماده على فكرة النقاء العرقي، التي لا تبتعد كثيراً عن المفاهيم التي قامت عليها الحركة النازية، ولأن الأحزاب اليمينية تتعارض في بعض الأحيان مع النظم السياسية الأوروبية، فإنها تجد ضالتها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين فيما يعرف ب «الإسلاموفوبيا»، حتى ان بعض الأحزاب اليمينية دعت إلى منع المسلمين بالذات من الهجرة إلى الاتحاد الاوروبي وغلق الأبواب في وجوههم نهائيا وهو ما يتماشى تماماً ومواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من المهاجرين عامة، والمسلمين بشكل خاص.
الحقيقة أن الجريمة الإرهابية التي وقعت في نيوزيلندا، تعيد إلى الأذهان الجريمة العنصرية الإرهابية البشعة التي اقدم عليها الإرهابي العنصري الصهيوني باروخ جولدشتاين بطل مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية في الخامس والعشرين من فبراير 1994 بحق المصلين، في المسجد الإبراهيمي أثناء أدائهم صلاة الفجر يوم الجمعة في منتصف شهر رمضان، وقتله تسعة وعشرين مصلياً وجرحه العشرات.
وكما حاولت الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل» حينها تلفيق تهمة الجنون للقاتل، والادعاء بأن عمله كان فرديا، نلاحظ أن الإعلام والمسؤولين في الغرب، يتحاشون إطلاق صفة الإرهاب على هذه الجريمة العنصرية، أو يذكرون كلمة الإرهاب على استحياء، ما يعني أن المعين الذي يشرب منه العنصريون والإرهابيون واحد.
وأخيراً، إن «باروخ جولد شتاين الأسترالي»، وقبله نظيره «الإسرائيلي»،مروراً بعشرات الإرهابيين العنصريين، الذين ارتكبوا جرائم ضد العرب والمسلمين، ما هم إلا النتاج الطبيعي لفلسفة العنصرية والشعبوية المتنامية في الغرب، والتي باتت تهدد الأمن في العالم كله، وتعيد التاريخ إلى مراحله الظلامية القاتمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"