«داعشية» ألمانية في العراق

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي
من المؤلم أن نرى مراهقين لم يكملوا السادسة عشرة وهم يقاتلون في صفوف المنظمات الإرهابية في خرق صريح للقوانين الدولية، وهناك في العالم اليوم آلاف المقاتلين تحت السن القانونية يقاتلون، يَقتلون ويُقتلون، وللأسف فإنهم وقود للحروب غير الشرعية.
للأسف ساعدت بعض القوانين في دول الاتحاد الأوروبي مواطنيها على أن يقعوا ضحايا للإرهاب والتطرف والانخراط في التنظيمات الإرهابية ك «داعش»، سواء لتنفيذ العمليات الإرهابية داخل أوروبا أو خارجها في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، لا سيما أن الكثيرين من هؤلاء المقاتلين اليوم يشكلون خطراً على المجتمع الدولي.
ليست المراهقة الألمانية ليندا وينزيل ابنة السادسة عشرة من عمرها هي الوحيدة التي فرت من بلادها، وحاربت في صفوف التنظيم الإرهابي وعملت كقناصة وتواجه اليوم حكم الإعدام في المحاكم العراقية لارتكابها أعمالاً إرهابية بعد تمكن الجيش العراقي من تحريرها من مسلحين في مدينة الموصل، حيث كانت تعيش حياة مأساوية بين أنقاض «داعش».
بسبب التمويل الضخم الذي امتلكه تنظيم «داعش» الإرهابي فإن لديه أساليب خبيثة في غسل عقول ضحاياه ومتطرفيه، ومن أحد هذه الأساليب المتبعة دفع الأموال لدعاتها الإرهابيين الذين بدورهم يحرضون الشعوب على الجهاد غير الشرعي.
العالم الإسلامي اليوم متيقظ، ويعلم حقيقة هؤلاء المحرضين الإرهابيين، فهم يتخذون الدين لهواً وتجارة، وكما قال تعالى في الآية الكريمة: (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، وفي حديث لرسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»، وهذا نهي واضح من نبينا الكريم عن الخروج وقتال المسلمين وقتلهم وسفك دمائهم وإحلالها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».
والدين الإسلامي بريء تماما من هؤلاء الذين باعوا الدين بأموال دفعت لهم لغاية التحريض وتجنيد المسلمين في قتال غير شرعي، فالجهاد له أسس وشروط، ويجب أن يكون بأمر ولي الأمر، واليوم ما يجري في سوريا والعراق وليبيا وبعض الدول الإسلامية التي ينتشر فيها تنظيم «داعش» فإن القتال فيها غير شرعي، ولا علاقة له بالجهاد، وهذا القتال ليس في سبيل الله، بل يصب في مصالح قوى الشر التي تهدف إلى تقويض استقرار المنطقة وتدمير دولها.
ومن الأساليب الأخرى لهذا التنظيم الإرهابي استخدام مقاتليه في إغواء الفتيات الأوروبيات باسم الحب والزواج والاستقرار في ظل الوعود الكاذبة، فيتم استدراجهن بداية بالعلاقة الخادعة والتلاعب بعواطفهن، وبعد ذلك يبدأ تدريجياً التشدد والتطرف إلى أن تغمض عينها الضحية، وترى نفسها في أحضان الإرهاب. وهناك في مواقع القتال يتم تدريبهن على القتال، ثم دخولهن في المعارك وقتل الأبرياء، ومن ترفض هذه الفكرة باسم الحب والزواج، فإنها تقع في مصيدة الأموال أو مصيدة الابتزاز والتهديد بالتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي أو التهديد بالقتل وإلى آخره من أساليب خبيثة تستعمل ضد هؤلاء المراهقين والشباب العاطل.
إن دور الأسرة ودور الأب والأم مهم في مثل هذه القضايا، لحماية الأبناء من التنظيمات الإرهابية، والأسر التي تقصر في حق أبنائها وبناتها المراهقين دون تحملهم المسؤولية حتى يقعوا فريسة الإرهاب يجب محاسبتهم على تقصيرهم في المحافظة على أبنائهم، ووضع القوانين الصارمة مهم جدا لضمان قيام الأسرة بواجبها تجاه أبنائها الذين لم يبلغوا السن القانونية، لأن ضياع الأمم تبدأ بضياع الأسر والأبناء.
والحكومات الأوروبية يجب أن تعمل لإصلاح أي تقصير أو قصور عندها في التعامل مع الإرهابيين، فتصلح قوانينها التي تسمح لبعض المتطرفين بممارسة أعمالهم التطرفية أمام الملأ أو التهاون معهم دون حسيب ولا رقيب، كما حدث لهذه الداعشية الألمانية التي هربت من ألمانيا إلى تركيا، ومن تركيا إلى العراق بأوراق مزورة، فلم تلاحظ الحكومة الألمانية هذا التزوير، ومثل هذا القصور يعد خطراً كبيراً على الأمن الأوروبي.
الدور التوعوي وبالتعاون مع الأسر والحكومات مطلوب اليوم في أوروبا، والتركيز عليه مهم، لتنوير الأبناء بمخاطر الجرائم الإرهابية، ومنعهم بكل الأساليب من الانخراط في الخلايا أو التنظيمات الإرهابية، والتصدي بجدية وبيد من حديد للإرهاب في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"