«كوفيد ـ 19» لا وطن له.. احذروا كارثة في الدول الفقيرة

00:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد العريان*

يمكن أن يتسبب إغلاق المدارس لفترات طويلة، وارتفاع معدلات البطالة، في زيادة العنف المنزلي، وزواج القصّر، وانتهاك حقوق الطفل، خاصة في البلدان التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية للتعليم عن بعد.
أعطى انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس وخطط البدء في تخفيف إجراءات الإغلاق في بعض أجزاء العالم المتقدم، بصيص أمل بعد أسابيع من الكآبة. ولكن بالنسبة للعديد من البلدان النامية، الأزمة لم تبدأ بعد، وستكون الخسائر البشرية الناجمة عن تفشي «كوفيد 19» أكبر مما عرفنا في أي اقتصاد متقدم. وبينما بلغ عدد الوفيات في الولايات المتحدة مؤخراً أكثر من 2000 في يوم واحد، وهو رقم غير بسيط، فإذا لم يتحرك المجتمع الدولي الآن، فقد تكون النتائج كارثية.
تقدم منطقة جنوب الصحراء الكبرى المثال الصارخ. فالعديد من البلدان هناك ستواجه تحديات كبيرة في تطبيق قواعد التباعد، والعزل الاجتماعي، وغيرها من التدابير التي لا بد منها لضبط مسار العدوى. وهكذا، يمكن أن تقع أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة أصلاً فريسة لتفشي المرض بسرعة هائلة، خاصة في منطقة عالية الكثافة السكانية.
وتعاني إفريقيا منذ فترة طويلة نقصاً حاداً في العاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث بلغت النسبة عام 2013 حوالي 2.2 عامل فقط لكل 1000 شخص (مقارنة ب 14 لكل 1000 شخص في أوروبا). والقليل من البلدان الإفريقية لديها مخزونات يعتد بها من أجهزة التنفس، وهي أداة حاسمة لعلاج الحالات الحرجة. ويقال إن مجموع ما لدى دولة مثل نيجيريا، لا يتجاوز 500 جهاز، في حين أن جمهورية إفريقيا الوسطى قد لا يكون لديها أكثر من ثلاثة أجهزة.
أضف إلى ذلك أن الحكومات الإفريقية جنوب الصحراء، لا تمتلك قدرات مالية ونقدية كبيرة (أو القدرة التشغيلية) لمجاراة الدول المتقدمة في مواجهة التأثير المدمر لتدابير الاحتواء والحجر المنزلي على العمالة وسبل العيش.وقد تفاقمت الأوضاع الصعبة نتيجة التأثير غير المباشر لتدهور الأنشطة الاقتصادية في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، والتي شملت انخفاض عائدات تصدير السلع (بسبب انخفاض الطلب والأسعار)، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وانهيار السياحة، وتراجع مخزونات السلع الأساسية، ونقص الاستثمار الأجنبي المباشر، ونزيف المحافظ الاستثمارية.
وفي حين أن إفريقيا جنوب الصحراء لا تخلو من بعض وسائل الدفاع التي منها العلاقات الأسرية القوية والمرونة الثقافية، إضافة إلى الدروس المستفادة من أزمة إيبولا، إلا أن هناك خطراً حقيقياً من أن تغرقها صدمة «كوفيد 19» في سباق بين الجوع المميت، والالتهابات القاتلة. وستفشل بعض الدول التي أصبحت هشة بسبب عقود من القيادة السياسية الضعيفة، أو الاستبداد الفاسد؛ الأمر الذي قد يؤجج الاضطرابات العنيفة ويخلق أرضية خصبة للجماعات المتطرفة.
هذا النوع من المخاطر لن يكون مؤقتاً. كما أن تلك الدول تبقى معرضة لخسائر كبيرة في المستقبل، سواء جراء العمالة أو رأس المال. ويمكن أن يتسبب إغلاق المدارس لفترات طويلة، وارتفاع معدلات البطالة، في زيادة العنف المنزلي، وزواج القصّر وانتهاك حقوق الطفل، خاصة في البلدان التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية للتعليم عن بعد.
وبكل بساطة، قد تكون إفريقيا جنوب الصحراء على وشك مواجهة مأساة إنسانية عميقة، لدرجة أنها يمكن أن تمتد جيلًا كاملاً في بعض البلدان، مع عواقب تمتد إلى ما وراء حدود المنطقة. وربما يوضح المثالان التاليان جانباً من مخاطر الآثار المتعددة الأوجه.
أولاً، يمكن أن يسفر تراجع الآفاق الاقتصادية الحالية والمستقبلية للأفارقة بشكل كبير على خلفية تبعات «كوفيد 19»، عن ارتفاع معدلات الهجرة فوق التوقعات الحالية.
ثانياً، يمكن أن يتسبب تفاقم حالات الإعسار وتخلف الشركات عن سداد ديونها، في تفاقم اضطرابات الأسواق المالية التي يبذل الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وآخرون، جهوداً متتالية لكبحها. وهذا يزيد من فرص انتقال العدوى من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي.
إن حجم التهديد لا يخفى على صندوق النقد الدولي، الذي تحرك بسرعة وبجرأة من خلال جهد هائل ومستمر لزيادة برامج تمويل الطوارئ. وقد تقدمت أكثر من 90 دولة نامية بطلبات للحصول على مساعدة مالية من الصندوق. ودعا الصندوق والبنك الدوليان، الدائنين في إطار اتفاقات الدين الثنائية الرسمية، بما في ذلك الصين التي أصبحت دائناً رئيسياً في السنوات الأخيرة، إلى تعليق مدفوعات ديون البلدان النامية الأكثر فقراً.
وخفف الصندوق الذي يقود هذا التوجه ديون 25 دولة من الدول الأعضاء ذات الدخل المنخفض بشكل فوري باستخدام موارد المنح لتغطية التزامات خدمة الديون المتعددة الأطراف لمدة ستة أشهر.
وقدمت الصين مساعدات عينية لا بأس بها في إطار ما يصفه دبلوماسيون باسم سياسة «الكمامات». ولتفادي الكوارث في المناطق المعرضة للخطر، يجب على المجتمع الدولي أن يفعل الكثير. يجب على الاقتصادات المتقدمة على وجه الخصوص أن تستمر في ضبط إجراءات العزل الاجتماعي والحجر المنزلي الذي كان العمود الفقري لإجراءات المواجهة في بلدانها، حتى يشمل الآثار غير المباشرة على إفريقيا. كما ينبغي توسيع نطاق المساعدة المالية الرسمية، وتسهيل إجراءات شطب الديون على نطاق أوسع، وإنشاء صندوق تضامن دولي على وجه السرعة، يمكن أن تنضم إليه دول أخرى، إضافة إلى القطاع الخاص.
وينبغي على البلدان المتقدمة أن توسع دائرة تبادل المعلومات وأفضل الممارسات لاحتواء الوباء وتخفيف انتشاره. ولتسهيل هذه العملية، تحتاج منظمة الصحة العالمية، إلى القيام بما هو أفضل على صعيد مركزة ونشر المعلومات ذات الصلة. وتتزايد الآمال بتطوير نمط من القيادة الاقتصادية العالمية تشمل الرعاية الصحية وخدماتها.
وأخيراً، يجب على المجتمع الدولي أن يفعل الكثير لحشد موارد القطاع الخاص الذي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في الاستجابة للأزمات في المناطق المعرضة للخطر، سواء بشكل مباشر أو من خلال تعزيز برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبينما تبذل شركات الأدوية وشركات التكنولوجيا كثيراً من الجهود الشاقة، يمكن للدائنين من القطاع الخاص المساعدة من خلال العمل على توفير آليات منتظمة للحد من عبء الديون على البلدان النامية الأكثر تضرراً.
ولكن نؤكد مرة أخرى، أن ذلك سيتطلب تركيزاً أكبر على آليات التمكين. وسيتطلب تغيراً أوسع في عقلية المقرضين، خاصة في القروض المؤتلفة، وقروض الهيئات الدولية، بما فيها البنك الدولي.
وأخيراً يهدد «كوفيد 19» بتدمير أجزاء كبيرة من العالم النامي. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجنب مأساة إنسانية واسعة النطاق، وأن يحمي بقية العالم من رد فعل سلبي مزعزع للاستقرار، إلا باتباع نهج منسق وتعاوني وشمولي.

*كبير الاستشاريين في أليانز بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"