«نوتردام» والمسجد الأقصى

03:20 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

حمل الحزن العالمي ومواقف التضامن الجرارة مع فرنسا، بعد الحريق المروّع الذي دمر كاتدرائية «نوتردام»، مضامين إنسانية وسياسية عديدة تشير إلى أن الخسارة التي افتقدتها باريس في واحدة من أشهر معالمها التاريخية، هي خسارة للبشرية جمعاء، وربما تكون لحظة للتفكير والتأمل في التراث الإنساني الذي عمّر آلاف السنين، وجرى تدميره بالحروب العبثية والتخريب المتعمد، كما كان الحال في السنوات الأخيرة في بلدان مثل سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان.
كاتدرائية «نوتردام» مثلما وصفتها منظمة الألكسو، هي «قلب باريس» وشاهدة على كل تاريخ فرنسا وأوروبا الوسيط والحديث والمعاصر، والحريق الذي أصابها لم يكن متعمداً على الأرجح، ومع ذلك كانت الفجيعة كبيرة والحسرة تفوق الخيال انعكست في التبرعات لترميم ما تهدّم وإعادته إلى الوجود من جديد، بينما فتحت فرنسا مسابقة دولية لاختيار أفضل المهندسين في العالم لإعادة بناء الكاتدرائية، وتعهد الرئيس إيمانويل ماكرون بإنجاز المهمة في غضون خمس سنوات. كما سجل المسلمون حضورهم، على أعلى المستويات، بالتعاطف مع المسيحيين الكاثوليك، كما هب مسلمو فرنسا إلى التبرع لهذا المعلم، وهو موقف حضاري يؤكد أن الحفاظ على المشترك الإنساني وصيانته واجب على الجميع بلا استثناء. كما يتضمن دعوة عاجلة إلى الاهتمام بالمزارات والآثار المهددة، بعدما أصبحت رموزاً وذاكرة لا تقتصر على دين أو شعب أو ثقافة.
الآلام الدولية مما حدث لكاتدرائية نوتردام كانت بليغة الأثر، مع أن الحادث عرضي وقد يكون بسبب تماس كهربائي، وهو ما ستتوصل إليه التحقيقات، وربما كانت ردود الفعل على ما حصل أقوى وأوسع لو كان هناك فاعل يقف وراء الحريق، سواء بهدف الإرهاب أو التخريب. لقد انتفض المجتمع الدولي مصعوقاً حين دمر تنظيم «داعش» الإرهابي الآثار العريقة في تدمر السورية والموصل العراقية، وقبلها تماثيل باميان في أفغانستان التي نسفتها طالبان في بداية الألفية الحالية. ولكن ما قول العالم في الاعتداءات اليومية التي تلحق بالمقدسات المسيحية والإسلامية في فلسطين المحتلة على يد الاحتلال «الإسرائيلي» ومستوطنيه، فهناك في القدس والخليل ونابلس وبيت لحم مخططات لنسف المسجدين الأقصى والإبراهيمي وقبر يوسف وكنيستي القيامة والمهد، وهي مقامات دينية عريقة جداً ترتبط بعلاقات روحية مع مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين، ويعتبر تهديدها خطراً ماثلاً، وهي تستحق تضامناً عاجلاً وتحركاً بقوة وشائج الإنسانية والأخلاق والقانون الدولي لحمايتها من النسف والتهويد.
قبل خمسين عاماً تعرض المسجد الأقصى المبارك إلى حريق متعمد نفذه يهودي متطرف زعموا أنه «مجنون»، ورغم مرور نصف قرن مازال السيناريو وارداً في ظل الحملة المنظمة ضد هذا المعلم. ربما تكون حادثة نوتردام المروعة مناسبة تدفع إلى الانتباه إلى ما يحاك للمسجد الأقصى، فبعض المواقع النادرة يجب أن تكون فوق كل شيء، لأن فقدانها، تحت أي سبب، خسارة لا تعوض ولن ينفع فيها عزاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"