الحصن الأوروبي مهدد بالسقوط

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

تقف فرنسا ومن ورائها كامل أوروبا على قدم وساق انتظاراً لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة الأحد المقبل، بعدما حملت الجولة الأولى فوزاً مدوياً لليمين المتطرف بزعامة حزب التجمع الوطني، يليه أقصى اليسار ممثلاً في «الجبهة الشعبية الجديدة»، بينما منيت الأحزاب التقليدية الوسطية بانتكاسة لن تتعافى منها إلا بمعجزة، وأصبح الحصن الأوروبي مهدداً بالسقوط.

هذه الانتخابات فتحت صفحة جديدة في تاريخ فرنسا وقارتها العجوز، ودشنت عودة الأيديولوجيات إلى المشهد السياسي الأوروبي، بعد عقود طويلة من سيادة الأحزاب الليبرالية بمفاهيمها حول الحرية والمساواة والعولمة وسياسات الانفتاح بأشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي فرنسا بالذات، وقبل نحو عامين، صدم الرئيس إيمانويل ماكرون، مواطنيه بانتهاء عهد الرفاه ودعاهم إلى بذل التضحيات لمواجهة عالم يشهد تحولات كبيرة.

وجاءت هذه الانتخابات بمنزلة استجابة لتلك الصرخة، وبصورة لم تشهدها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية تصاعدت الأيديولوجيا من أقصى اليمين واليسار بعد إفلاس المقاربات التقليدية، فالتحديات الراهنة أمام فرنسا وأوروبا باتت بيئة خصبة لشيوع أفكار متطرفة تعلن تمرداً صريحاً على الواقع الراهن وسياساته وتطالب بالتغيير والثورة، وهو ما يتجلى، على السواء، في الخطابات اليمينية المتشددة واليسارية الراديكالية التي تقف على طرفي نقيض، ويحمل كل منها مشروعاً يفتقر إلى الإجماع السياسي، لكنه يلقى قبولاً لدى شرائح واسعة من الناخبين ضاقت بما يشهده الوضع من أزمات عميقة أصابت أسس الاتحاد الأوروبي في مقتل. وجانب كبير من هذه الأزمات ناتج عن تأثيرات الحرب الدائرة في أوكرانيا، وانخراط الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، في مواجهة موسكو بعقوبات آلمت الأوروبيين أكثر من الروس، وأدت إلى تدهور الوضع المعيشي في القارة وتراجع للقدرة الشرائية واتساع التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة، وتقويض الوصول إلى الرعاية الصحية كالسابق، وتصاعد نسبة الجرائم وانعدام الأمن، وقد عبرت عن ذلك سلسلة من الإضرابات التاريخية على مدى العامين الماضيين، وأدت في أحيان كثيرة إلى صدامات بين الغاضبين والسلطات، لا سيما في فرنسا التي شهدت انتفاضات في ضواحي المدن الصناعية بسبب البطالة والفقر وإفلاس الشركات. وكل هذه العوامل دفعت الناخب الأوروبي إلى التطرف يميناً ويساراً بحثاً عن حل لهذه المشكلات ورسم واقع مختلف.

ضمن هذا السياق كانت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي، أما الانتخابات الفرنسية فقد فضحت وضعاً أوروبياً مأزوماً يتجه إلى التشرذم والضعف أكثر من تمسكه بالقوة والاتحاد. وإذ لم تشكل هيمنة اليمين المتطرف وأقصى اليسار مفاجأة لأحد، إلا أن الصدمات الفعلية ستتوالى إذا فاز حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، وتمكن أمينه العام جوردان بارديلا من تشكيل حكومة فرنسية، فإن تداعيات ما سيحدث في فرنسا سيكون أشبه بتأثيرات سقوط جدار برلين قبل 35 عاماً، وسيعرف انهيار جدران عديدة للاتحاد الأوروبي، وستشهد القارة بداية عصر مملوء بالتقلبات، ويمكن أن تكون أسوأ إذا فاز اليسار الراديكالي وأصبح جون لوك ميلونشون رئيساً لوزراء فرنسا، وهذه التقلبات ستكون لها امتدادات في كل أوروبا، وستكون وثيقة الصلة بالهزيمة المتوقعة للمحافظين في الانتخابات البريطانية، والعودة المنتظرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بينما لا تغيب روسيا عن المشهد، فهي بحربها على أوكرانيا باتت تمسك بأغلبية خيوط اللعبة في أوروبا وإن لم تدعم ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u6kacu5m

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"