أسماء وأقنعة

لحظة حرية
02:17 صباحا
قراءة دقيقتين

الأسماء وجوه وأقنعة، وقد يطلق شاب موهوب اسمه علي أحمد سعيد على نفس اسم أدونيس، فيصبح من أهم شعراء الشرق، وقد يكبر الأخطل الصغير، ويبلغ من عمر الزمان والفن عتياً، فلا يغادر اسمه، ويبقى أخطل وصغيراً، وقد تكبر مطربة اسمها المستعار نجاة الصغيرة . قد تكبر ولا يكبر اسمها المستعار معها، وقد يؤخذ فلان بجريرة فلان، لمجرد تشابه الأسماء، فيروح في ستين ألف داهية .

ونادراً ما يدل الاسم على المضمون، وكثيراً ما يناقض الاسم المسمى، فينبئ بسريالية طاغية، وفي الحياة أمثلة حية مشاهدة وملموسة: تلك الصبية سماها أهلها جميلة وهي لم تخطر على بال الجمال حتى لوهلة أو بعض وهلة، بل إنها على جانب من القبح عريض، وذلك الفتى صالح، وما هو في أخلاقه وتصرفاته بالصالح أبداً . ليس الاختيار بقدر ما هو التيمن، أو ربما التنبؤ بالألطف الأخف، والتشبث بأمل بعيد أشبه بالمحل أو المحال .

أما صفحات الشعر الشعبي في الإمارات والخليج فتزخر بالأسماء المستعارة: نجمة الخلود، شمس الصباح، غزالة الوادي، جروح، عيون المها، إلى آخر رومانسية تكاد تذوب على الورق، ويكاد الورق، من فرط نعومتها، يعود إلى أمه الشجرة .

وقل لي ما هو اسمك أقل لك اسم دلعك .

إن أمامنا سبورة سوداء هائلة الحجم تمتد على امتداد الأفق، وفي أيدينا طباشير ملونة، ونحن نكتب ونشطب . نكتب بيد ونشطب باليد الثانية، ونغيّر أسماءَنا كل يوم كما نغيّر ملابسنا . قد يعجبنا اسم في الصباح ولا يعجبنا بعد الظهر، وقد يستيقظ أحدنا من النوم مفزوعاً في ساعة متأخرة من الليل، لأنه اكتشف أن اسمه سخيف أو تافه أو لا معنى له، فبادر من فوره إلى السبورة السوداء ذاتها، وبدأ يكتب ويشطب حتى تعبت يداه، وأخذت أصابعه تتساقط الواحدة تلو الأخرى وهو مشغول بالبحث عن اسم جديد .

وتبدأ بعد ذلك سلسلة من الإجراءات الطويلة في الدوائر الرسمية: تغيير الاسم في شهادة الميلاد، وجواز السفر، وشهادة الجامعة، وشهادة التطعيم ضد الكوليرا وضد إنفلونزا الخنازير، وفي رخص البلدية، ورخصة قيادة السيارات الخفيفة والثقيلة، ثم العودة سريعاً إلى دفاتر الطفولة، والشخبطة فيها من جديد، والركض وراء جدران الطفولة، ومحاولة كتابة الاسم فيها من جديد بالقلم الرصاص ذاته، وباليد المرتعشة ذاتها .

ألم نتعلم الحروف الهجائية حتى نكتب أسماءَنا صحيحة، وبلا أخطاء إملائية؟

كم نحن نحتاج، إذاً، إلى حروف غير محدودة حتى نكتب بها أسماءَنا الجديدة . حروف سود وبيض، بارزة ومحفورة حفراً، فضية ومذهبة، عادية ولامعة، حروف بالخشب أو النحاس أو النيون . حروف تضيء وتنطفئ . حروف تحيط بنا وتمد أيديها إلى أعناقنا وتخنقنا . في لطف شديد تخنقنا، وكلما أوشكنا على النهاية، سمعنا قهقهة مدوية، ورأينا آثار حروف كانت جاثمة على صدورنا وهي تغادرنا إلى اللعنة، أو إلى الجحيم .

رجل لم يكتف بتغيير اسمه فقط، وإنما أيضاً أسماء أبيه وجده وجده الثاني والثالث والعاشر، وآخر غيّر اسمه من سالم سعيد حمد ناصر درويش إلى درويش ناصر حمد سعيد سالم .

habib@daralkhaleej .ae

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"