أشقاؤنا المصريون في ليبيا

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
ما يحدث الآن في أجزاء كثيرة من الوطن العربي لا يكاد يُصدّق، ولا تستطيع الذاكرة أن تستوعبه أو يجد له العقل أقل تفسير . وما يتعرض له أشقاؤنا المصريون في ليبيا الجارة الشقيقة الملاصقة لمصر العربية يبدو خارج المعقول، ويصعب تصديقه أو الاعتراف بوقوعه . ومهما قيل إنه لا يتم من قبل بقية الدولة أو شبه النظام الليبي، وإنما من فعل عصابات خارجة على القانون فإنه يحزن ويملأ النفس رعباً، وهو في الوقت نفسه صورة واحدة من صور كثيرة ومماثلة تتكرر في أكثر من بقعة عربية هدفها تمزيق ما تبقى من أواصر النسيج العربي ومن العلاقات الأخوية التي تجمع بين أبناء الأمة العربية الواحدة . وهو غريب على الدين والأخلاق، وغريب على القيم والأعراف التي توارثها العرب منذ آلاف السنين، بل هو غريب على التعامل الذي تلتزم به الإنسانية جمعاء على اختلاف ألوانها وعقائدها وثقافتها . ما جرى ويجري للأشقاء المصريين في ليبيا ظاهرة جديرة بالحزن والتأمل وهي نتيجة مخطط مدروس ومعد سلفاً من قبل قوى تريد أن تصل العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة إلى درجة الاقتتال والحروب الأهلية، وأن تجعل من الأمة الواحدة جزراً متنافرة متحاربة ليسهل ابتلاع ما تبقى من ثرواتها والتحكم في مصيرها وإثبات ما يبشر به ساسة الاستعمار الجديد القائم على نشر الفوضى وإثارة الفتن والنعرات الدينية والمذهبية والمناطقية . والإشكالية الصادمة في أمر كهذا أن معرفتنا للخطر وإدراكنا لأبعاد المخطط المشار إليه لا يحوّل هذه المعرفة وهذا الإدراك إلى مواقف مواجهة وإلى أفعال توعية يومية مستمرة بالمخاطر التي تحيط بالأمة كلها والزج بها في معارك لا تنتهي ليس بينها وبين أعدائها إنما في داخلها وبين أبنائها .
كيف يجرؤ عربي في ليبيا أو في غير ليبيا، بل كيف تسمح له نفسه أن يقتل أخاه العربي من مصر أو من غيّرها، أو يختطفه ويلقيه في غرفة مظلمة ويعرضه للتعذيب والإذلال ثم للقتل، لا لشيء إلا لتفريغ طاقة منحرفة لدى القاتل وشعوره بالتعالي والإحساس بغرور القوة المفسدة . ومن يفعل هذا يعلم علم اليقين أن هذا القتيل أو المختطف إنما جاء إلى هذه الأرض التي يتعذب فيها لاقتناعه بأنها جزء لا يتجزأ من الأرض العربية، وأنه إنما جاء إليها ليخدم أشقاءه ويقدم ما يمتلكه من خبرة وطاقة لهذا الجزء من الأرض التي يؤمن أنها عربية، تاركاً وراءه عائلة وأطفالاً يحلمون بعودته وينتظرون انتهاء مرحلة مهمته ليبقى إلى جوارهم ليرعاهم ويحميهم من غوائل الحاجة ومرارة الحرمان . ولا يعلم إلا الله وحده كيف تكون حالهم وما مدى شعورهم حين يعرفون أن عائلهم قد لقي حتفه أو تم اختطافه في ظروف غريبة ومريبة وفاجعة .
إن ظاهرة كهذه تتم على مرأى ومسمع من أبناء الأمة العربية في مشرقها ومغربها ينبغي أن تكون موضع اهتمام شامل، وأن تبدأ الأنظمة العربية أو ما تبقى منها في الوقوف بحزم في وجه التنظيمات التي تسعى جاهدة إلى إغراق الوطن العربي بمزيد من المشكلات غير المسبوقة، وما تحققه للقوى المعادية من استغلال هذه التصرفات أو هذه الظاهرة للإساءة للأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وإثبات أنها أمة فاشلة وغير جديرة بأن تسمى أمة بدليل التناحر القائم بين أبنائها وما يدور بين بعضهم بعضاً من اقتتال ومن تجاوز وإنكار لأبسط الحقوق وأقلها أهمية في منطق الإنسانية الأرحب والأوسع في مدلولاته المعنوية والمادية .
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تصرفات أخرى حدثت وتحدث هنا وهناك عند اختلاف الأنظمة -وهي خلافات مؤقتة- من تسرع بعضها في إبعاد المواطنين الذين ينتمون إلى البلد المختلف معه وكأنهم بذلك يعاقبون النظام بينما هم في حقيقة الأمر يعاقبون أفراداً من الشعب الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بتلك الخلافات التي كثيراً ما تتم تسويتها وعودة المياه إلى مجاريها، ولكن بعد أن يكون السيف قد سبق العذل كما يقول المثل العربي القديم .

د . عبدالعزيز المقالح

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"