أوجه الاختلاف بين ترامب وجونسون

02:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

ثمة أوجه شبه بالتأكيد بين رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فكلاهما يمقت الاتحاد الأوروبي، وإن على خلفيتين مختلفتين، فترامب يعد الرابط الأطلسي الجغرافي والاستراتيجي (الحلف) كافياً؛ لتنظيم العلاقة بين واشنطن والمجموعة الأوروبية، بينما مناوأة جونسون للاتحاد؛ تقوم على أسباب قومية؛ ولاعتقاده أيضاً أن فكرة الاتحاد مثالية، وذات مضمون إمبراطوري، ولهذا رأى أن أكثر من كان منشغلاً بتوحيد «القارة العجوز»؛ هما: أدولف هتلر ونابليون بونابرت، وهي على كل حال نظرة قاصرة، فالاتحاد الأوروبي لا يذوب الكيانات، ولا تقوده دولة واحدة، ولا يمس باستقلال أعضائه، ويقوم على مبدأ الانضمام الطوعي، وليس الإلحاق.
والزعيمان يناصبان العداء لإيران؛ لكن جونسون أقل عدائية من ترامب، ويتجنب المواجهة بكل السبل. كما أن جونسون يتمسك بالاتفاق النووي، خلافاً لترامب، الذي قاد بلاده؛ للخروج منه.
وبينما يحرص ترامب على علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن جونسون ينظر بكثير من الريبة إلى الزعامة الروسية.
وعلى المستوى الداخلي، فإن جونسون يأخذ في الاعتبار الأول انتماءه إلى حزب المحافظين، الذي أوصله إلى 10دواننغ ستريت، بينما ينصب اهتمام ترامب على ممارسة صلاحيته رئيساً للبلاد؛ وذلك بأقصى ما يسمح به الدستور الأمريكي من صلاحيات لساكن البيت الأبيض. ومقابل حزبية جونسون، تطفو شخصنة ترامب للقيادة.
وبينما يجمعهما النزوع الشعبوي، إلا أن جونسون أقل شعبوية؛ رغم مظهره الذي يوحي بذلك، وطريقته في إطلاق التصريحات العفوية، وأحياناً العشوائية؛ وإذ يقود الرئيس الأمريكي هذه النزعة في بلاده مع وجود جماعات متطرفة من مؤيديه، ممن يقعون على الهامش السياسي، فإن رئيس الحكومة البريطانية يعد أن الشعبويين في بلاده بمنزلة الغريم والخصم له ولحزبه؛ إذ إن لهم حزباً يمثلهم هو حزب «بريكست» بقيادة كاثرين بلايكلوك، وقد نشأ هذا الحزب في فبراير/‏شباط الماضي.
في الموقف من الهجرة واللاجئين، فإن معارضة ترامب تقوم في جانب منها على نواحي العرق والدين، وهو ما يفسر أن انتقادات ترامب أخذت تطال مواطنين أمريكيين ولدوا على الأرض الأمريكية كما هي حال النائبات الأربع، والاعتراض عليهم يقوم إما على لون البشرة أو المعتقد الديني. بينما لم ينغمس جونسون في مثل هذه المعمعة، وموقفه من الهجرة واللجوء يقوم على تنظيم وضع المهاجرين غير القانونيين وليس طردهم، ثم الحؤول دون الهجرة غير القانونية إلى المملكة المتحدة.
بهذا تتضح فوارق مهمة بين الرجلين. وتمتد هذه الفوارق إلى السياسة الدولية. فبينما يذهب ترامب بعيداً جداً في تماهيه مع الاحتلال «الإسرائيلي»، كما تبيّن في نقل السفارة إلى القدس، والتسليم بتسمية الاحتلال للمدينة عاصمة له، وغض النظر عن التوسع الاستيطاني، فإن جونسون ما يزال يؤمن ب«حل الدولتين»، ويرفض الاستيطان. ويسترعي الانتباه هنا أن جونسون متحمس أيديولوجياً للصهيونية؛ لكنه على المستوى السياسي ينظر للأمر بنظرة أقرب إلى الاعتدال والواقعية ومقتضيات الشرعية الدولية، خلافاً لترامب الذي يريد إدامة الأمر الواقع الاحتلالي من منظور سياسي بحت، بعيداً عن الأيديولوجيا التي لا يعبأ بها.
على مستويات أخرى، تتعلق بالتكوين الشخصي والمسيرة المهنية، فإن جونسون أمضى ردحاً طويلاً من الزمن في الصحافة في التايمز ثم في ديلي تلجراف، وهو ينظر للصحافة باحترام؛ باعتباره واحداً من أهلها، خلافاً لترامب الذي يناصب الصحافة العداء، ويتعامل مع الصحفيين بنفور شديد. وهو فارق مهم بين الرجلين يعكس نظرة كل واحد منهما لحرية التعبير، وتداول المعلومات، وتعددية الآراء التي تعكس تعددية مجتمعية وثقافية.
وإلى الصحافة، فإن جونسون مؤلف لعدة كتب أحدها عن الشاعر ورائد التأليف المسرحي في موطنه وليم شكسبير، ومهما كانت قيمة مؤلفاته، فالثابت أنه يمتلك اهتماماً ثقافياً، على العكس من ترامب، الذي يدور جل اهتمامه على عالم المال، وكل ما يتصل به.
وبهذا فإن وصف بوريس جونسون على أنه ترامب الثاني أو نسخة بريطانية من ترامب، يقوم على الانطباع المتسرع، وتعوزه الدقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"