أيام العرب الجديدة

04:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
لا غرابة أن يتطلع الإنسان العربي البسيط إلى القمة العربية بالكويت، وأن يرى فيها فرصة للأمل، ونافذة تُصلح بوصلات مهددة بالعطب، وتوقف هذه الفوضى التي تتمدد في عالمنا العربي كله .
ندرك بأن القمم العربية، لا تملك مفتاحاً ذهبياً لحل إشكاليات كبرى، من طراز القضية الفلسطينية، والأزمة السورية الممتدة وقضايا انكشاف الأمن القومي، واتساع الصدوع في البيت الواحد، ومتواليات الانشطار والتذرر والاحتراب الأهلي، وانسداد آفاق التنمية والديمقراطية، وغيرها الكثير .
لكن الأمر في هذه المرة، أكثر خطورة، حيث يتفشى اليأس، وهناك من ينفخ في رماده ليحوّله إلى قنوط، وهناك من يعلفون حرباً عربية باردة، بالمزيد من النار، لتحقيق مزيد من التآكل الوطني، في ظل شعارات مزيفة، ومناخات مفعمة بالكراهية والثأرية والعنف والإقصاء المتبادل .
من المؤسف، أن عالمنا العربي، مر بلحظات حاسمة وحرجة وزلزالية، لكنه لم يتعظ، وسعى عن وعي أو من دون وعي، إلى تكرار هذه المصائب، وكأن الإنسان العربي البسيط، على موعد مع قمة واحدة، تعيد الحسابات، وترتب الأولويات، دفاعاً عن النفس، وعن البقاء داخل التاريخ . إلا أنه ارتد خائباً، وظل في انتظار (جودو) الذي يأتي ولا يأتي .
اللحظة العربية الراهنة حرجة وعسيرة ومؤذية، تلاحقت قبلها زلازل ورياح فتنة، وتعددت فيها مسارح التمزق العربي . وتراجع الحوار والتعاضد، أمام خطاب القطيعة والافتراق والأنانية، وسقطت لغة منتصف الطريق، وافترقت الحسابات والقراءات، ودارت الحروب على أرض العرب بالأصالة أو بالوكالة، وتوقف دور وقلب قوى عربية رائدة كانت تضمن وعلى الأقل، ضبط الاختلافات والتصدعات، وتمنع الانهيارات .
إرث السنوات الأخيرة كان قاسياً وثقيلاً، ارتدّ فيه معظم العرب، إلى هويات دينية وطوائفية وعرقية ومناطقية، مما هدد وحدة الأوطان، وتماسك الأمة، وفتح الطريق أمام الانهيار، وضياع قضايا التحرر من الاحتلالات، ومن التخلف، وظهور العرب في صورة "الرجل المريض" .
الوطن العربي اليوم، لا أحد فيه هادئ، وهج النار يلفح وجوه الجميع بلا استثناء، أفعال تنقصها الحكمة، وخطابات مضادة للسلم الأهلي، وللتعاضد الجمعي والمواطنة المتساوية، عنف وفوضى وغضب، وتجريح وتخويف، كلها مشاهد ترسم الآن خريطة الوطن العربي .
اليوم، مجلس التعاون الخليجي يفقد جزءاً مهماً من بريقه، وتماسكه، بما قد يعيد النقاش حول جدواه ومستقبله، ويعيد أيضاً خلط الأوراق والتحالفات في الإقليم . . وهذا خطر داهم .
صمد المجلس في قلب أربع حروب طاحنة كبرى، وعالج خلافاته البينية بحكمة، وأحياناً بصمت، وعوض في أزمنة "الربيع العربي" غياب القاهرة وبغداد وسوريا والجزائر، ورسم بتحركه الجماعي حدوداً لفضائه الأمني، لكنه حينما خرج بشكل انفرادي، إلى بؤر الأزمات العربية، تعثر وارتبك، وأربك معه توازنات وحساسيات خليجية وعربية وإقليمية، خاصة حينما غلب عليه طابع المغامرة الفردية ومجازفات ساسة نافدي الصبر . اعتقدوا بأنهم معصومون .
تراكمت المكبوتات في السنوات الثلاث الأخيرة، وتعامل البعض مع أزمات عربية باستخفاف وبشخصنة، وبرؤية سياسية قصيرة النظر .
أزمة الخليج، كان مسكوتاً عن بعض عناصرها، وبدا حينها سطح مياه الخليج، شفافاً أزرق، وأمواجه هادئة، لكن هذا السطح، كان يخفي تحته، خلافات صامتة، وتدخلات غير مسبوقة في الشؤون الداخلية، وسلوكيات انفرادية طامعة أو طامحة، واستمرأ بعضها حلاوة العصيان السياسي والإعلامي، والتغريد خارج المنطق والعمل الجماعي وتحول هذا "التغريد" إلى مديونيات سياسية وأمنية ورّطت المنطقة، وأصابت "اللحم" الداخلي الخليجي، وأسهمت قفزاتها الفجائية في الفراغات العربية، في إحضار المشكلات، أكثر مما أتت بحلول .
حروب العرب القديمة في الجاهلية، كانت تسمى "أيام العرب" أما حروبنا الجديدة، أيام العرب الجديدة، فقد اتسعت، وشملت العنف والكراهية، والهجاء السياسي والإعلامي، والقضم المتبادل في وسائل الاتصال الاجتماعي، واستباحة محرمات الشقيق، والتخوين والتجريم والتكفير والنبذ .
أحسب أننا في حاجة إلى تأمل أحوال المنطقة والإقليم والعالم، بغير عصبية، والنظر في أوضاع مجتمعاتنا، وربما وجدنا أن لغة منتصف الطريق أكثر جدوى، وربما وجدنا أيضاً أن هناك من يريد أن تتمدد الأزمة وتطول، أو أن انبهارنا بحلفاء دائمين في الغرب، أو انبهار بعضنا بإمكانية تحالفه مع إيران، هو زائد عن حده، ثم إنه يقع على حساب حقائق وطنية وقومية أخرى .
أحسب أيضاً، أنه لا يصح على الإطلاق، وبكل المقاييس الدينية والوطنية والأخلاقية، أن نتعامل مع مسألة السنة/الشيعة، باستخفاف، وأن نتجاهل إمكانية ولادة تنظيم متنقل جوال شيعي (قاعدة شيعية) على غرار تنظيم (القاعدة) السني .
أحسب أيضاً، أن الخليج العربي اليوم في مهب الأعاصير، وأن رعاة الحريات والثورات وحراس حقوق الإنسان، لا يتمتعون بالصدقية الكافية، خاصة حينما يرون فقط ما يشتهون رؤيته، ويغمضون حينما تتطلب مصالحهم درجة من العمى المفتعل .
نحتاج في هذه اللحظات، إلى ما يتجاوز العصبيات و"تغريدات" مدونين مجيشين لمهام التجريح والردود التي تزيد من شقة النزاعات، وتزرع الافخاخ والدسائس .
نحتاج إلى توفير مناخات، وحكمة شجعان، تحول دون تحول فضاءات مجلس التعاون إلى خنادق متقابلة وحاضنات دافئة لتنمية ثقافة الريبة والفتنة والإرهاب ولقلب المنطق ومعادلاته، ولأفكار متخلفة لا مكان لها تحت الشمس .
في القمة العربية بالكويت . . نأمل أن تكون البوصلة بين أصابعها، قبل أن نغدو كعرب خارج التاريخ .

د . يوسف الحسن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"