إحباط فلسطيني غير مسبوق

03:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

انتهت عشر جولات مكوكية لرئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية الدكتور حنا ناصر بالإعلان خطياً من حركة حماس موافقتها على الانتخابات، وكانت الحركة قبل صباح الثلاثاء الماضي أجلت تسليم ردها، إذ اشترطت، إعادة رواتب بعض أسرى كانت السلطة الفلسطينية أوقفت رواتبهم منذ فترة وأزالت خيام اعتصامهم في صباح ذلك اليوم الذي كان مقرراً أن يكون يوم إضراب جزئي وغضب على قرار الإدارة الامريكية اعتبار المستوطنات شرعية. وتزامن ذلك مع استشهاد الأسير أبو دياك ليل الثلاثاء في سجون الاحتلال حيث توفي بمرض السرطان وتركه الاحتلال على مدى سنوات دون علاج. ووقف الأسير المحرر فخري البرغوثي الذي أمضى 34 سنة في سجون الاحتلال وحيداً يخطب على دوار المنارة في وسط رام الله بعد استشهاد أبو دياك مستغرباً عدم وجود جمهور في يوم الغضب المعلن ولا تضامن مع الأسير الشهيد، موجهاً نقداً لاذعاً بلهجته العامية الى كل الفصائل الفلسطينية بما فيها السلطة رغم كونه عضو مجلس ثوري لحركة فتح، متهماً الجميع بخذلان الأسرى.
الإحباط شامل في الأراضي الفلسطينية، فقبل فترة أرادت حكومة رامي الحمد الله السابقة تطبيق قانون الضمان الاجتماعي الذي اعتبره البعض غير منصف، فخرج عشرات الآلاف في مسيرة على دوار المنارة بينما دعت كل الفصائل الى الاعتصام في قرية الخان الأحمر التي كان الاحتلال ينوي هدمها فلم يتجمع سوى العشرات من الأشخاص. الشعور بالإحباط واليأس يبدو جلياً في نفوس الفلسطينيين. فالمقاومة الشعبية السلمية التي تدعو اليها السلطة في الضفة لم تنجح الا نسبياً في القدس، حيث كانت التحركات شعبية غير خاضعة للفصائل ونجحت ولو مؤقتاً في لجم مخططات الاحتلال تجاه المسجد الأقصى المبارك. فالفشل بات ظاهراً في سياسة المقاومة الشعبية السلمية لأنها غير مبرمجة وتنقصها التعبئة الشعبية الشاملة. أما شعار المقاومة في غزة فسقط عملياً عندما تبين أن سقفه الأعلى هو حقائب دولارات ينقلها مبعوث قطري شهرياً بموافقة الاحتلال بينما تركت «حماس» حليفتها «حركة الجهاد» عرضة للقصف الجوي دون أن تتدخل.
ورغم ما قيل عن أن العلاقات بين الحركتين في أبهى صورها إلا أن حركة حماس تخشى من العودة الى المسيرات الأسبوعية التي سقط خلالها قرابة 400 شهيد خشية خروجها عن السيطرة وانقلابها ضدها. إن «حماس» على يقين بأن الانتخابات التي دعا اليها الرئيس الفلسطيني لن تتم رغم موافقتها العلنية والخطية ولا تعدم المبررات لذلك، حيث ما زال الشيطان في تفاصيل الاتفاق التي من المقرر أن تبحث لاحقاً. حتى ولو تم التوافق عليها فلن يوافق الاحتلال على إجرائها في القدس المحتلة حيث تقول كل من فتح وحماس إنه لا انتخابات بدون القدس.
السلطة أيضاً لا تعيش حالة طبيعية، فمن ناحية ارتضت أن تتراجع عن قرارها بوقف تسلم أموال المقاصة من الاحتلال بعد خصومات «إسرائيلية» لرواتب عائلات الأسرى والشهداء والذي استمر عدة أشهر ولم تجد مصدراً مالياً عربياً يغطي رواتب موظفيها الذين صبروا أكثر من نصف سنة على جزء من الراتب، والبنوك لم تعد قادرة على إقراضها فاضطرت الى تسلم مستحقاتها منقوصة، ولم تفلح جهودها في إيجاد آلية لتدقيق الفواتير التي يخصمها الاحتلال دون رقيب. وحالياً بدأت شركة الكهرباء «الإسرائيلية» في قطع الكهرباء عن الضفة وستزيد ساعات القطع في بداية السنة الجديدة بحجة تراكم الديون على شركة كهرباء القدس الفلسطينية التي تزود مساحة واسعة من الضفة بالكهرباء التي تشتري تيارها من الشركة، ولم يتم منذ اتفاق أوسلو بناء محطة توليد كهرباء بعد منع الاحتلال في السبعينيات لشركة كهرباء القدس من تركيب مولدات جديدة.
الأوضاع الاقتصادية إضافة الى تعثر العمل الفصائلي والاختراقات الدبلوماسية «الإسرائيلية» والترابط العضوي بين إدارة الرئيس ترامب والسياسة الاستيطانية «الإسرائيلية» كلها عوامل مثبطة نفسياً للفلسطينيين، بحيث إن رافعي شعار المقاومة المسلحة ثبت فشلهم جذرياً ورافعي شعار المقاومة السلمية فشلوا فشلاً ذريعاً. لكن السبب الأكبر لهذا الفشل عدم وجود هدف أسمى يلتف حوله الجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"