إدارة العملة في مسار النمو

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

إن أسعار الصرف هي أثمان، وفي اقتصاد مفتوح تكون أثماناً مهمة جداً، حيث إنها تحدد الأثمان النسبية للسلع والخدمات القابلة للاتجار وغير القابلة للاتجار.

وإذا ارتفع سعر عملة دولة ما، فإن صادراتها تكون أغلى بالنسبة للآخرين، بينما تصبح وارداتها أرخص مما كانت، وأرخص بالنسبة للسلع والخدمات المحلية، التي لا تستطيع حينها التداول في السوق بسهولة. وبعبارة بسيطة فإن أسعار الصرف تحدد تنافسية قطاع التصدير والجزء القابل للاتجار من الاقتصاد المحلي.

لسنوات عديدة سبقت أزمة العملة في أواخر التسعينات في آسيا، كانت الحكمة التقليدية هي أن أسعار الصرف يجب أن تتحدد من قبل قوى السوق من دون تدخل من الحكومة (وهي ما تعني عادة البنك المركزي) وهذا ما يسمى أسعار صرف معومة، كما أنها تتحرك استجابة لتدفقات رأسمال العالم والتجارة العالمية.

وبعد انهيار نظام أسعار الصرف الذي ساد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان هذا منهج الدول المتقدمة في معظمها، والذي أوصى به للدول النامية.

ومع ذلك فإن معظم الدول النامية أدارت أسعار الصرف الخاصة بها عن طريق شراء عملتها وبيعها، مستخدمة النقد الأجنبي. وهكذا، كان النظام العالمي الفعلي نوعاً من الهجين، حيث أسعار الصرف معومة في الدول المتقدمة (ما عدا اليابان)، والدول النامية تدير عملاتها بطرق متعددة.

ولكن على مدى معظم فترة ما بعد الحرب، لم تكن اقتصادات الدول النامية كبيرة بما يكفي لأن يسبب هذا النظام الهجين مشكلات أو توترات. ولكن الوضع لم يعد كذلك؛ فالاقتصادات الناشئة أصبحت كبيرة بما يكفي لإحداث آثار أكبر في منظومة الاقتصاد العالمي، واليوان الصيني أصبح ينافس الدولار الأمريكي.

ومعظم دول آسيا لا تحيد كثيراً إما عن اليوان أو الدولار. وهذا السلوك احتمال كبير أن تكون له آثار أكبر في منظومة الاقتصاد العالمي، وهو محل صراع كبير حالياً. لقد كان للدول النامية أسباب قوية للتدخل في شؤون عملاتها، ففي غياب التدخل اتجهت أسعار الصرف وصافي التدفقات الرأسمالية الواردة والصادرة إلى التقلب، وقد استخدمت معظم الدول الضوابط الرأسمالية إلى جانب التدخلات المباشرة في أسواق عملاتها لكي تحد من هذا التقلب.

وبعد الأزمة الآسيوية في تسعينات القرن العشرين راكمت الدول النامية احتياطيات أجنبية بغرض تكوين ذخيرة لتثبيت عملاتها في حالة حدوث تدفق رأسمالي غير متوقع للخارج. وأثبت هذا الشكل من التأمين الذاتي واسع الانتشار، أنه مفيد في أزمة عام 2008، عندما حدث تدفق رأسمالي للخارج بسرعة شديدة بسبب الأضرار التي لحقت بالمراكز المالية للدول المتقدمة.

والدول النامية تتدخل أيضاً في أسعار الصرف الخاصة بها لكي تضمن أن يظل قطاع صادراتها تنافسياً، فالصادرات تمثل محركاً رئيسياً للنمو.

وحتى وقت قريب في الاقتصادات الناشئة كان الربط بين إحداث التوازن والتدخل في سعر العملة يعد إلى حد كبير قضية نمو وتنمية محليين على الرغم من أنها قضية معقدة إلى حد ما، ورغم ذلك لم تكن آثارها في الاقتصاد العالمي كبيرة لجعل الموضوع ذا أهمية كبيرة بالنسبة للدول المتقدمة والاقتصاد العالمي ككل.

ولكن ذلك تغير في السنوات العشر الأخيرة مع تزايد تأثير الدول النامية لاسيما الصين بشكل خاص، فأصبح التدخل في أسعار الصرف قضية وعنصراً في التوازن العالمي، كما في التنمية والنمو المحليين، وهذا يجعل القضية أكثر تعقيداً بكثير. ومن هنا كان إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على جعل تلك القضية في صلب المحادثات التجارية مع الصين. حيث يقول مسؤولون أمريكيون منذ فترة طويلة إن اليوان الصيني دون قيمته الحقيقية، وإن هذا يعطي ميزة تجارية للصين ويعوض جزءاً من الرسوم الجمركية الأمريكية.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"