إشارات خطرة من تركيا

02:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني
في الحروب الكبيرة كانت تركيا حاضرة بالوجود، أو بالظلال. فعندما كان بعضها جزءًا من مقدونيا اقتحم الاسكندر الأكبر الشرق، وأسس إمبراطورية واسعة الأرجاء. وفي حروب الفرس والإغريق، ومن بعدهم الرومان، مثلت تركيا رأس الرمح في الهجوم، ودرع الفولاذ في الدفاع. ولم تكن في ذلك التاريخ ولا في العوالم اللاحقة قد أخذت اسمها الذي جاءها مع الأتراك القادمين من آسيا الوسطى، وإنما اشتهرت بحاضرتها بيزنطة، حيث بنى على خرائبها الإمبراطور قسطنطين المدينة التي نافست روما في مركزها الديني والسياسي، تلك المدينة التي اشتهاها العالم، بتعبير شاعر لاتيني، ظفر بها شاب من آل عثمان محمد الثاني، ومن مغامراته الناجحة أخذ لقبه ( الفاتح). ذلك النجاح أغراه ومن جاء بعده، بالتطلع لالتهام التفاحة الحمراء قاصدين فيينا مرة والبندقية مرة ثانية. ورغم ذلك، فإن السلطان سليم الأول اتجه جنوباً فحقق نصف انتصار على إسماعيل الصفوي في معركة ماجدليران بتبريز، لكنه أنجز انتصاراً كاملاً على قانصوه الغوري في مرج دابق بالشام بخيانة من حاكم حلب، في رحلة قادته إلى القاهرة.
مرت خمسمئة سنة على معركة مرج دابق (11 أغسطس/آب) عندما قرر أردوغان أن يعبر بجيشه الحدود الجنوبية إلى سوريا. لا أحد يعترض على حقه في القلق من كيان كردي شمال سوريا يضيف إلى قوة تأثير كردستان العراق في تغذية حماس أكراد تركيا للكفاح من أجل الاستقلال، لكن شيئاً من رائحة التاريخ أنعش ذاكرة أردوغان. ستكون المفارقة أن يدخل الإسلام آسيا الصغرى بعد قرون على أيدي الأتراك العثمانيين، ومنها ينتشر في البلقان، ويخوض سليمان القانوني في قلب أوروبا بعد أن تكون قد تنبهت واستعدت ليعود من أبواب فيينا.
بعد ثلاثة قرون على احتلال سليم الأول مصر، أعاد إبراهيم باشا اتجاه الغزو من الجنوب إلى الشمال باستدارة كاملة استولى فيها على الشام وأجزاء واسعة في جنوب تركيا جعلت القوى الأوربية الكبرى تنقذ السلطنة العثمانية كي تمنع قيام إمبراطورية عربية.
يفرض موقع تركيا أن تكون حاضرة في الحروب والأحداث التاريخية الكبيرة، فعندها تلتقي أوروبا بآسيا، وعليها، وقريباً منها تقع أهم المضايق والبحار الداخلية، وهي في سقف العالم العربي والشرق الأوسط مطلة على فارس، قريبة من آسيا الوسطى، وجسر واصل أو فاصل بين روسيا وغرب أوروبا، كما أنها على نقطة تماس مع البلقان (المنطقة الرخوة والقلقة في أوروبا) لهذا خاض العثمانيون حروباً وعقدوا تحالفات مع الامبراطوريات القديمة، وكانت حرب القرم التعبير الصارخ عن أهمية الموقع، وليس عن جبروت الإمبراطورية.
ولننتقل إلى القرن الذي شهد أعنف المآسي وأعظم الكشوف، وكان الصدام في الظلام دائراً بين القوى الأوروبية المتنافسة على طرق التجارة والموارد الاقتصادية، وكانت الإمبراطورية العثمانية تئن تحت وطأة الدهور، ولم يعد عبد الحميد الثاني سلطاناً ذا بأس، ففرض عليه قادة جيوشه اللحاق بقطار الحرب مع دول الاتحاد الثلاثي بقيادة ألمانيا، ودفعت السلطنة ثمناً للهزيمة أكثر مما قدمته ألمانيا من التنازلات المهينة، فقد فككت إمبراطورية رجل أوروبا المريض، وكادت تركيا تخسر في أراضيها لو لم تتنبه بريطانيا إلى أن روسيا سوف تجني العوائد. بعد ذلك ظلت تركيا ترسل الإشارات حتى اضطرت فرنسا في 1938 إلى تقديم رشوة لتركيا بمنحها لواء الإسكندرون السوري مقابل ألا تتحالف مع المانيا النازية في الحرب المقبلة.
في الحروب الجارية الآن تحضر تركيا بقوة، خصوصاً في سوريا. وقد تطور الأمر إلى حرب مباشرة قادت دباباتها إلى أراضي جارها الجنوبي ما يخلق تعقيدات إضافية في سوريا وفي المحيط كله.
ينذر التدخل التركي باحتمالات كارثية في وجود ترتيبات تعدها إيران لإحداث انفجار كبير. وإذا نجح المخطط الإيراني فإن المنطقة مقبلة على حريق هائل تعتبر حروب السنوات الخمس مجرد تمارين تدريبية.
هل هي إشارة قادمة من تركيا؟
ربما، لأن تركيا كانت في الحروب الكبيرة حاضرة بالفعل أو بعيدة بالرشوة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"