احتضار الحلم الصيني

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في ذروة صعود الصين وبلوغ معجزتها الاقتصادية قمة تألقها، ألقى وين جياباو، رئيس حكومتها السابق خطاباً صادماً عام 2007 حذر فيه من ترنح نموذج النمو الصيني المبهر لافتقاده عوامل الثبات والاستقرار والاستدامة والتوازن والتنسيق. لم يكن «حديث المخاوف» مفهوماً آنذاك في ظل انطلاق العملاق الأصفر هادرا متعافياً محطماً كل الحواجز والقيود، ليرسخ مكانته كثاني أقوى وأكبر اقتصاد في العالم. أثبتت الأيام بعد ذلك أن الحكيم جياباو، كان يرى المستقبل ببصيرته، فبعد عام واحد بدأت نبوءته تتحقق تدريجياً مع هبوب رياح الأزمة المالية العالمية.
منذ ذلك الوقت، انطلقت رحلة الصين مع المتاعب التي لم يعد من الممكن إخفاء مظاهرها أو طمس ملامحها وراء الصورة المشرقة. وتؤكد الأرقام الرسمية أن زمن الصعود ولى مع تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 16% إلى 6% فقط، وهي أدنى نسبة تتحقق منذ ثلاثين عاماً.
الأخطر من التراجع، هو ما أشار إليه تقرير نشرته مجلة «فورين افيرز» الأمريكية، يوضح أن نمو الاقتصاد الصيني ليس محصلة إضافة إنتاجية حقيقية، لكنه نتيجة ضخ أموال حكومية مباشرة في شرايين الاقتصاد لتحفيزه. وأنه إذا توقف هذا الضخ التنشيطي، فإن الاقتصاد لن يسجل نمواً على الإطلاق. وحتى معدل النمو المعلن وهو 6% لا يسلم من التشكيك من جانب الاقتصاديين الغربيين الذين يعتقدون أن النسبة الحقيقية هي نصف هذا الرقم الرسمي.
ويرصد التقرير الأمريكي، بعض مظاهر ما يصفه بالنمو غير الإنتاجي أو غير المثمر ومنها أن الحكومة، أقامت أكثر من 50 مدينة أشباح لا يسكنها أحد وبلا نشاط اقتصادي حقيقي، على الرغم من توفر البنية التحتية فيما يعتبره التقرير استثمارات ضائعة أو مهدرة، بينما تصفها الحكومة الصينية بالاستثمارات غير الفعالة، وتعترف بأن خسائرها بلغت 6 مليارات دولار من 2009 إلى 2014.
مؤشر صادم آخر هو الديون التي تضاعفت أربع مرات في السنوات العشر الأخيرة، لتتجاوز حالياً 300% من قيمة الناتج المحلي. ولا توجد دولة كبرى بلغ حجم ديونها هذا المستوى في زمن السلم.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى فهناك متاعب أخرى تواجه الصين منها حربها التجارية مع واشنطن وسمعتها السيئة في الغرب كأشهر جواسيس الأسرار العلمية والاقتصادية وهو ما وضع أمامها صعوبات حقيقية في النفاذ إلى الأسواق الخارجية، والحصول على التكنولوجيا المتطورة بسبب القيود التي تفرضها الدول الغربية.
انتهى أيضاً عصر الازدهار عندما كانت الدولة تحقق الاكتفاء الذاتي من الطعام والمياه والطاقة خلال السبعينات من القرن الماضي، وبداية الألفية الثانية. الآن أصبحت المياه نادرة وزادت وارداتها من الطعام والطاقة أكثر من أي دولة أخرى.
ثمة مشكلة ذات طابع صيني فريد من نوعه هي معضلة التركيبة العمرية لسكانها. وبعد أن كانت تتمتع بأفضل وضع سكاني في التاريخ خلال سبعينات القرن العشرين بوجود ثماني مواطنين في سن العمل مقابل مواطن واحد في سن الخامسة والستين أو أكبر. أضحت الآن تواجه أسوأ أزمة مسنين في التاريخ أيضاً بسبب السياسة الصارمة لتحديد النسل بطفل واحد للأسرة، مع زيادة متوسط الأعمار نتيجة لتحسن الرعاية الصحية، وبالتالي ارتفاع أعداد المسنين. ويتوقع الخبراء أن يخرج 200 مليون صيني من الشباب والمستهلكين من سوق العمل خلال 3 عقود مع إضافة 300 مليون مسن لا يعملون.
من الناحية النظرية يقول الاقتصاديون إن أي دولة تتراكم لديها الديون بهذا الحجم، وتفقد قدرتها التنافسية، وتتدهور قدراتها الإنتاجية، ويزداد عدد المسنين بين مواطنيها، ستفقد مالا يقل عن عقد من الزمن تسجل خلاله معدل نمو بنسبة صفر. كل هذا يحدث في الصين، وليس غريباً أن تتردد بعد ذلك تكهنات بقرب انتهاء الحلم الصيني، الغريب فعلاً أن تكون واشنطن، الخصم اللدود لبكين، أكثر ما يقلقها مظاهر الوهن الصيني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"