اختبار نظريات السوق في المختبرات

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي *

حتى وقت قريب، كانت الفكرة الشائعة هي أن الاقتصاد علم غير تجريبي وعليه أن يعتمد على ملاحظة الأمور الاقتصادية في عالم الواقع أكثر من اعتماده على التجارب المقارنة في المختبرات والتي غالباً ما تستخدم في علوم الطبيعة. وجاء في أحد الكتب: «نظراً لتعقد السلوك الإنساني والاجتماعي، فإننا لا يمكن أن نأمل بلوغ دقة علوم الطبيعة، ولا يمكن أن نقوم بالتجارب المقارنة التي يقوم بها الكيميائي أو عالم الأحياء. نحن مثل الفلكي يجب أن نرضى إلى حد كبير بالملاحظة». لكن قام رواد بتغيير كل هذا عن طريق الاقتصاد التجريبي الذي يسمح بدراسة مقارنة للأسواق، وقواعد التبادل وسلوك المشاركين فيها. وهو يهيئ لواضعي السياسات القيام بعمل اختبار على المنضدة لخيارات السياسة المتنافسة عن طريق مقارنة النتائج المحتملة لمجموعات القواعد البديلة. ويتم إجراء معظم التجارب في أطر المعامل، حيث يلاحظ الباحثون مجموعة من الناس يقومون بالبيع والشراء وتقديم العروض في مباريات لتمثل بيئة الاقتصاد الحقيقي. ويقوم المشاركون بعمليات تبادل مستخدمين نقوداً حقيقية وغالباً ما يمكنهم الاحتفاظ بأرباحهم. ويتعلم الباحثون كيف ولماذا يكون رد فعل الأسواق تجاه التغيرات في اللوائح وقواعد التجارة عن طريق ملاحظة كيفية رد فعل الذين يدرس سلوكهم في أثناء المراحل المختلفة للتجارة. وتتسم الدروس المستفادة مما أصبح يعرف باسم الاقتصاد التجريبي بقيمتها لكل من الباحثين وواضعي السياسات ويمكن تطبيقها على نطاق واسع في مجالات مثل نظرية وسلوك السوق المالية، واقتصاديات الموارد الطبيعية، وتحرير صناعات مثل الطاقة الكهربائية والمياه. وسبق أن فاز فيرنون سميث أستاذ الاقتصاد والقانون في جامعة جورج ماسون في ولاية فرجينيا ودانيل كاهنمان أستاذ علم النفس والشؤون العامة في جامعة برنستون، بجائزة نوبل في الاقتصاد، عام 2002. وأعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أن كلا الرجلين قد غيرا اتجاه علم الاقتصاد. ولم يكن الفائزان قد التقيا وجهاً لوجه قبل ذلك، نظراً لأن سميث في إحدى مقالاته بمجلة الاقتصاد السياسي عام 1991 كان قد اتهم كاهنمان بأنه يتجاهل التفسيرات والأدلة العكسية لفترات طويلة من الزمن. في العمل الذي يتم فيه فحص واختبار مدى عقلانية الأسواق.
وكانت من أبرز التجارب المبدئية موجهة نحو اختبار ما أطلقت عليه الأكاديمية السويدية أنه ربما كان أكثر النتائج الأساسية في النظرية الاقتصادية وهي أنه في ظل المنافسة الكاملة، يحدد سعر السوق توازناً بين العرض والطلب عند المستوى الذي يولي فيه المشتري الحدي قيمة عالية للسلعة مثل تلك التي يوليها لها البائع الحدي. وفي التجارب المعملية الأولى كان الخاضعون للتجربة تُحدّد لهم أدوار، بشكل عشوائي كبائعين أو كمشترين، مع إخبار كل منهم على انفراد بأقل سعر يمكنهم أن يبيعوا به، أو أعلى سعر يمكنهم أن يشتروا به. وفي ضوء توزيع أسعار الاحتياطي، تمكن «سميث»من تحديد سعر التوازن النظري - السعر المقبول لأكبر عدد من البائعين والمشترين. وقد برهنت تلك التجارب على أن وجود أعداد كبيرة من القوى الفاعلة الاقتصادية ذات المعرفة الكاملة ليست شرطاً مسبقاً لكفاءة الأسواق. وهو ما يخالف الفكر الاقتصادي التقليدي. ويقر أنصار الاقتصاد التجريبي الذي يبتعد بدرجة كبيرة عن الأساليب والطرق التقليدية، أنه سوف يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يصبح مقبولاً. وقد أعرب منتقدو الاقتصاد التجريبي عن قلقهم من أن الأشخاص الذين يوضعون في المواقف التجريبية يأتون إلى التجارب بنماذج فكرية مقررة خارج التجارب، ومن ثم فإن هذه التجارب ليست بهذه الدرجة من النقاء كما أن الاستنتاجات ليست قاطعة بالدرجة نفسها التي هي عليها في العلوم الطبيعية، ويرون أن الاقتصاد التجريبي بعيد عن أن يكون موجة المستقبل، يعطل الفهم باستخدامه البشر كحيوانات المعامل. إلا أن كثيراً من العاملين بالاقتصاد يرحبون بتحدي النموذج العقلاني القديم للتيار الرئيسي لعلم الاقتصاد، والذي يفترض أن كافة المشاركين لديهم المعلومات نفسها، وأنهم يتصرفون بشكل عقلاني كامل، وأن الأسواق ذات كفاءة كاملة، وأن البطالة غير موجودة. إن الاقتصاد التجريبي لا يمكن أن يحقق أي شيء تقريباً مما يحتمل له بلوغه حتى يغير الطريقة التي يفكر بها الاقتصاديون والمنظرون في مشاكلهم.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"