استقالة ماي..مزيد من الانقسامات

04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

قاد حزب المحافظين البريطاني، عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، غير أن هذا المسعى أدى إلى تنحي رئيسي وزرائهما: ديفيد كاميرون في العام 2016 وتيريزا ماي مؤخراً.
وخلال فترة حكمها القصيرة (أقل من ثلاثة أعوام)، استقال عدد من وزراء حكومة ماي، وتراجعت حظوظ الحزب في الانتخابات المحلية.
وقد شاب مسيرة بريطانيا القارية، مظاهر من التردد والتمنع؛ إذ أرجأت بريطانيا الانضمام إلى نواة الاتحاد (المجموعة الاقتصادية) من عام 1961 إلى العام 1973، وكانت فرنسا الديغولية آنذاك غير متحمسة لانضمام بريطانيا. كما رفضت المملكة المتحدة التخلي عن عملتها (الجنيه الإسترليني) لصالح العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، ورفضت الانضمام إلى منطقة تشينغن (التأشيرة الأوروبية).
وسبق أن نشبت خلافات بين بريطانيا والمجموعة الأوروبية حول مساهمة بريطانيا في ميزانية المفوضية في عهد رئيسة الحكومة، مارغريت تاتشر.
وها هي ماي، المتحمسة للخروج من القارة تضطر للخروج من 10 داوننغ ستريت بعد أسابيع من الآن؛ إذ وجدت في صفوف حزبها من هم أكثر تشدداً منها، حيال اتفاق الخروج من الاتحاد. وهؤلاء هم من أفشلوها (317 عضواً من أصل 650).
وبينما جرى تمديد أوروبي لمهلة الخروج من 29 مارس إلى نهاية أكتوبر المقبل، إلا أن سلبية حزب المحافظين ومتشددين آخرين، مثل حزب الاستقلال (24 عضواً في مجلس العموم)، وسعي حزب العمال المعارض للاستفادة الحزبية من الأزمة مع موقف ملتبس من خيار الخروج، أديا إلى إغلاق الطرق أمام ماي، ما جعلها تغص بدموعها وهي تعلن بيان الاستقالة من الحزب والحكومة يوم الجمعة الماضي.
أما مدار الخلافات فهو النظر إلى المصالح البريطانية في أي اتفاق للخروج. وبينما يبدو الاتحاد الأوروبي موحداً في موقفه، فإن الانقسامات تعصف بالمجتمع السياسي البريطاني، بين من يرغبون في مفاوضات طويلة، تحقق أكبر قدر من المكاسب، الاقتصادية أساساً لبريطانيا، وبين من يرغبون في خروج هادئ ومتوازن يضمن مصالح جميع الأطراف، وبين من يرفضون الانفصال عن الاتحاد (بريكست) ويطالبون بإجراء استفتاء ثان.
وهناك الآن نحو ثلاثة ملايين أوروبي، يقيمون في بريطانيا (مقابل مليون بريطاني يقيمون في دول الاتحاد). مسودات الاتفاق تضمن حقوق هؤلاء في مرحلة انتقالية. غير أنه ينظر إلى وجود الأوروبيين في المملكة المتحدة، على أنه من ثمرات الانضمام إلى الاتحاد. وثمة من يراهم نسخة «مُحسنة» عن المهاجرين من دول العالم الثالث. وبينما يناقضهم في هذه النظرة كثيرون، وخاصة من الأجيال الشابة، من المؤمنين بالخيار الأوروبي وبمزايا الحركة المتاحة للجميع في جميع الاتجاهات.
وواقع الحال أنه إلى جانب المنافسات الحزبية مع حزب العمال، وداخل حزب المحافظين «الحاكم» نفسه، فإن كثرة من السياسيين البريطانيين يرغبون في التمتع بمزايا معاملات تفضيلية مع دول أوروبا، والتمتع في الوقت ذاته بمزايا الخروج من الاتحاد. أي التمتع بمزايا الزواج والطلاق معاً.
والراجح أن التداعيات سوف تستمر في الحياة العامة البريطانية، على خلفية الخروج، مقابل صمود أوروبا وتماسكها، بالرغم من بعض التباينات، وحيث ينُظر إلى بريطانيا على أنها تقيم تعارضاً مفتعلاً بين مصالحها والمصالح الأوروبية، خلافاً لبقية الدول ال27 التي تدرك أن الاتحاد كونه ليس فيدرالياً، فإنه يحافظ على الكيانات القائمة، ويكفل مصالح الجميع، ويسمح بتطوير إمكانات الدول الأعضاء، ويحسن من فرص المنافسة مع بقية دول العالم.
هذا من دون التقليل من انعكاس الموقف البريطاني الانعزالي على الحياة السياسية الأوروبية؛ إذ إن تيارات اليمين الشعبوي المتطرف تجد في الموقف البريطاني (وكذلك في سياسات الرئيس دونالد ترامب)، مصدر إلهام لها، ونموذجاً يحتذى، في تعظيم الشوفينية القومية وحتى الدينية، والعداء للهجرة والمهاجرين، وتشجيع السياسات الانغلاقية على كل صعيد، ومناوئة الأوجه الإيجابية للعولمة، وذلك هو التحدي الذي يقف في وجه أوروبا خلال العقد المقبل، وسوف يتعرض الاتحاد الأوروبي كتكتل وفكرة إلى هجمات مختلفة من مصادر شتى، من أجل نزع ثقة الأوروبيين بهذا الخيار، ودفعهم لرؤية الفوارق بينهم لا الجوامع المشتركة والمستقبل الذي ينتظرهم. وجذب بعضهم إلى هذا المحور أو ذاك من المحاور الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"