اعتذار على الطريقة البريطانية

04:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

مئة عام على وعد بلفور، بكل ما يعنيه هذا الوعد، وما سببه من آلام لشعب مسالم اقتلع من أرضه في مؤامرة دولية، وشرد في أنحاء الأرض. مئة عام من هذه المعاناة ولم تقنع تيرزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، بما خلفه هذا الوعد، باعتباره جريمة العصر الأبرز في العالم.
فبدلاً من أن تراجع ماي المواقف البريطانية التي قادت منطقتنا إلى ويلات وحروب متتالية، ها هي تحتفل بهذا الوعد المشؤوم، ولكن على طريقتها، حيث تعرب خلال لقاء مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، عن سعادتها بما ساهمت بريطانيا في صنعه على حساب الشعب الفلسطيني، وعما اسمته فخر المملكة المتحدة بالدور الذي لعبته في تأسيس دولة «إسرائيل».
موقف بالتأكيد ليس مستغرباً على صناع السياسة في بريطانيا التي دأبت على زرع بذور المشكلات في كل المستعمرات التي احتلتها، قبل أن تنهي احتلالها لها، حيث أعطى وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، في عام 1917 وعداً لليهود نص على دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
وبذلك يكون بلفور الذي لا يملك فلسطين قد أعطى وعداً لمن لا يستحق هذه الأرض، التي هي أرض الشعب الفلسطيني المسالم، فاتحاً الباب لصراع طويل مازالت المنطقة تشهد آثاره وتداعياته حتى يومنا هذا.
وإذا كان هذا هو منطق الاستعمار البريطاني الذي ابتليت به العديد من دول المنطقة خلال حقبة من الزمن، إلا أن المفارقة العجيبة، أن عقلية التسلط والتمسك بالخطأ التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا لم يجد بعد من يصححه من الساسة البريطانيين حتى يومنا هذا، ولو بتقديم اعتذار للشعب الفلسطيني على الظلم الذي حاق به جراء السياسة البريطانية الاستعمارية، وتداعياتها.
لقد كان حرياً برئيسة الوزراء البريطانية، خلال استقبالها نتنياهو في ذكرى وعد بلفور، أن تصمت على الأقل إزاء جريمة ارتكبتها بلادها لا تزال قائمة آثارها حتى اليوم، لا أن تفاخر بها، ثم تعود لتتحدث في المناسبة عما اسمتها مخاوفها الجدية إزاء المستوطنات غير الشرعية التي تقيمها «إسرائيل» على الأراضي الفلسطينية، بحسب البيان الصادر عن مكتبها.
حيث إنها تعلم إن قرأت التاريخ جيداً، أن الاحتلال «الاسرائيلي» استعماري، إجلائي، استيطاني، عنصري، ولا يمتلك أي شرعية له في فلسطين، والدليل أنه جاء بوعد سياسي، وترتيبات دولية، شاركت فيها دول استعمارية كثيرة، على رأسها بلاد تيريزا ماي التي تفاخر الآن بدورها في إقامة هذه الدولة العنصرية المقيتة.
إذ كيف تعبر تيريزا ماي عن استمرار دعم بلادها للسلام الدائم وهي تدرك أن السلام لا يمكن أن يتعايش مع الظلم والاحتلال؟ إنها العقلية الاستعمارية ذاتها التي تتحكم في الدول الغربية الكبرى والتي تمعن في أخطائها بحق الشعوب الأخرى، أو تتنصل من مسؤولياتها الأخلاقية تجاه هذه الشعوب، إذ إن اعتراف دولة كبريطانيا بالخطأ، وبالتالي تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني، يعني ضرورة التعويض عن هذا الشعب المظلوم، وتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية في هذا الشأن، وهو أمر يبدو أن السياسة البريطانية لم تصل إليه، ولن تصل إليه أبداً، ما لم تتحرر من هيمنة اللوبي الصهيوني المتحكم في قرارات الكثير من الدول الغربية، والذي يمنع هذه الدول من النظر بموضوعية إلى الصراع العربي - «الإسرائيلي».
وأخيراً، لابد من القول إن وعد بلفور يجب أن يذكّرنا دائماً بأن كل المؤامرات الدولية التي حيكت لإلغاء الهوية الفلسطينية، عبر دعم الاحتلال «الاسرائيلي»، وإسناده سياسياً وعسكرياً، فشلت في إثناء هذا الشعب عن المطالبة بحقوقه المشروعة، التي ما زال يحارب من أجلها أكثر من مئة عام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"