اعتراضات دولية على صفقة ترامب

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يبدو أن صفقة الرئيس دونالد ترامب، باتت في المراحل الأخيرة لصياغتها، وأن الإعلان عنها لن يتأخر عن مطلع العام المقبل 2019، وهو ما عبّر عنه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، وما أكده بعدئذ السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان، الذي ذهب أبعد مما ذهب إليه رئيس بلاده، حين قال إن الخطة «جاهزة ومكتوبة». ويُعرف عن فريدمان تماهيه مع أقصى اليمين الصهيوني، وتأييده للغزو الاستيطاني، على أن المهم في هذا المعرض أن الرجل عضو في الفريق الأمريكي الذي يصوغ الخطة، كما ذكرت تقارير متطابقة.
ترامب في خطابه أمام المحفل الدولي، شدد على أن إدارته مع «إسرائيل مئة بالمئة». وليس هناك من حاجة لديه للقول إن إدارته مع الطرف الآخر (الفلسطيني) صفر بالمئة. فالمواقف حيال القدس المحتلة ونقل السفارة الأمريكية إليها، ووقف المساهمة في وكالة أونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف الجزء الأكبر من المساعدات إلى السلطة الفلسطينية.. هذه المواقف المفرطة في عدائيتها، تكشف بالملموس عن نزعة تكاد تتجاوز محددات المواقف السياسية، إلى اتخاذ موقف عنصري تجاه شعب يرزح تحت الاحتلال، منذ أزيد من نصف قرن.
ومن الواضح أنه تم وضع الخطة بمعزل عن التنسيق مع أطراف إقليمية ودولية معنية، فالأردن أعلن غير مرة أن الإدارة الأمريكية لم تُطلع عمّان على الخطة، علماً بأن الأردن هو من أكثر الدول ارتباطاً بقضية فلسطين ويحتضن زهاء مليوني لاجئ، ويتاخم الأراضي الفلسطينية المحتلة (التي كانت لدى وقوع الاحتلال عام 1967 جزءاً من أراضيه وفي نطاق المملكة الأردنية الهاشمية). فإذا كان الأردن (وهو إلى ما تقدم، صديق تقليدي للولايات المتحدة)، لم يطلع على الخطة في مراحل إعدادها، وحتى تاريخه، فكيف سيكون الأمر مع بقية الدول المعنية؟ فهل تعتقد إدارة ترامب أنها وحدها المعنية في العالم بالصراع العربي الفلسطيني «الإسرائيلي»، علماً بأن الدور الأمريكي على مدى عقود طويلة، قد أوصل القضية إلى ما وصلت إليه من استعصاء، نتيجة الانحياز الهستيري إلى «إسرائيل»، وما قامت به لاحقاً من احتلال واستيطان، وتغطية مستمرة على تمردها على قرارات الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي.
ولا يتوقف الأمر عند التجاهل الأمريكي للمواقف العربية والإقليمية، فعلى نطاق أوسع، فإن الخطة المزمعة تدير الظهر لمواقف المراكز الدولية الفاعلة، بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
ففي خطابه أمام الجمعية العامة حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من التفرد بعملية تسوية القضية الفلسطينية، في إشارة إلى الولايات المتحدة. وأوضح قائلًا: «يتعين علينا جميعاً ألاَّ نغض الطرف عن القضية الفلسطينية التي طال أمدها»، مضيفاً: «وأحذر من التفرد بعملية التسوية الخاصة بها».
وهي عبارات لا ينقصها الوضوح، تدين وترفض التفرد الأمريكي الذي يبلغ أحد أعلى مستوياته في وضع الخطة المنفردة المسماة «صفقة القرن»، والتي يحاول أصحابها منح المحتلين ما لم تمنحهم إياه الشرعية الدولية، وما ينكره القانون الدولي، وما يتعارض مع حق تقرير المصير للشعوب.
ولم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أقل وضوحاً في موقفه إزاء الخطة المتوقعة، وما رافق الإعداد لها من إجراءات عدائية.
فقد حذر ماكرون من أن «مبادرات أحادية الجانب لن تسهم في إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، مشدداً على أنه لا بديل عن حل الدولتين لتسوية النزاع. وانتقد في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهج إدارة ترامب إزاء القضية الفلسطينية، متسائلاً: «كيف يمكن تسوية النزاع بين «إسرائيل» وفلسطين؟ ليس عن طريق مبادرات أحادية الجانب، ولا بهضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».
وجملة هذه المواقف تشير بوضوح إلى أن الانفراد الأمريكي إزاء قضية ترتدي طابع التدويل، لن يلقى قبولاً من أحد، وخلافاً لادعاءات أركان الإدارة بأن الطرف الفلسطيني هو الوحيد الذي يعترض على الخطة. وهو ما ينبئ مسبقاً وفي وقت مبكر، بأن حظوظ نجاح الخطة شبه معدومة إن لم تكن معدومة بالكامل.
فالسياسة غير المتوازنة وغير المتزنة، لا يمكن أن تثمر خططاً موضوعية أو قابلة للحياة والتطبيق. علاوة على أن ما عبّرت عنه إدارة ترامب، وما اتخذته من إجراءات عدائية ضد أحد طرفي الصراع، قد هيأ مناخاً ضاراً ومسموماً، وأفقد هذه الإدارة بالفعل دور الوسيط، بعدما تمت البرهنة من طرفها على أنها غير مؤهلة لأداء هذا الدور.
وبالتشبث بهذه الرؤية القاصرة، فإن إدارة ترامب لن تسهم في المحصلة سوى في إدامة الصراع، وإضفاء مزيد من التعقيد عليه، ذلك أن مصير الشعوب وسلام المنطقة والعالم، هو أمر غاية في الأهمية والجدية، وتتعذر معالجته بصفقات يعقدها طرف دولي مع «نفسه»!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"