الأكراد والرهانات الخاسرة

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

تجربة الأكراد السوريين تثبت أن من يراهن على القوى الأجنبية، ولا سيما الولايات المتحدة، لن يجني إلا الخذلان.
منذ اندلاع الأزمة السورية، بدا واضحاً أن هناك أطرافاً، إقليمية ودولية، استغلت هذه الأزمة، لتنفيذ أجنداتها، أو لتصفية حساباتها مع قوى مناوئة لها على الساحة السورية التي سرعان ما تحولت إلى ساحة صراع دولي بكل ما في الكلمة من معنى، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة المتدحرجة، فإنها شكلت في الواقع فرصة مثالية لتوليد صراعات عدة، وإحياء مشاريع ظن أصحابها أنهم باتوا قادرين على تنفيذها في ظل الفوضى التي انتشرت في البلاد. ومن أبرز هذه المشاريع، مشروع تفتيت الدولة السورية الذي تعمل عليه، وترعاه الولايات المتحدة، و«إسرائيل»، انطلاقاً من استراتيجية مشتركة متطابقة تهدف إلى إضعاف المنطقة العربية، وتحويل الصراع العربي -«الإسرائيلي» إلى صراعات عربية -عربية، بغية إبقاء «إسرائيل» الأقوى في منطقتنا العربية، ولعل هذا ما يفسر عملياً، محاولات كل من «إسرائيل» والولايات المتحدة، لإبقاء جذوة الصراع قائمة في هذا البلد، بل وتسعير النيران فيه كلما قاربت على الانطفاء.
ولتنفيذ هذه الأهداف المشتركة بين واشنطن و«تل أبيب»، كان لابد من العزف على وتر الطائفية التي تشكّل المناخ الأنسب لاستمرار الصراع في هذا البلد العربي.
ولذلك وجدت واشنطن في الأقلية الكردية، التي تمثل نحو عشرة في المئة من سكان سوريا، ضالّتها، من خلال وعود سخية، ومساعدات كبيرة للأكراد، الذين تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي السورية، ولا سيما في السنوات الأولى من الأزمة، حيث كان جل الاهتمام ينصب على محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وانشغال الجيش السوري بمعارك كبيرة على اتساع مساحة الجغرافيا السورية، بدءاً من درعا في الجنوب، إلى حلب في الشمال، ومن دير الزور شرقاً إلى الساحل السوري غرباً.
وشكّل الدعم الأمريكي القوي ل«قوات سوريا الديمقراطية»، (قسد)، حجر الزاوية في الأهداف الأمريكية من تواجد واشنطن العسكري في شمال، وشرق سوريا، وخلال سنوات الصراع حاولت الولايات المتحدة تسريب رسائل مطمئنة للأكراد بأنها تقف إلى جانبهم، لتحقيق أحلامهم، وأنها تشكل الحليف الأقوى والدائم لهم، وهذا المناخ يبدو أنه شجع بعض الأطراف الانفصالية داخل الأوساط الكردية، لمحاكاة تجربة أكراد العراق، رغم الفوارق الكبيرة بين الحالتين، فالأكراد السوريون لم يثيروا مسألة الاستقلال. فبالنسبة لهم كان الرهان على دولة فيدرالية، كحد أقصى، أو على الأقل شكل من أشكال الحكم الذاتي، لكن تطور الأوضاع في شمال وشرق سوريا، وإخفاق الدولة السورية، والأكراد في التوصل إلى حلول وسط، دفع باتجاه أن يسلك الأكراد السوريون المسار نفسه لأكراد العراق الذين خاضوا صراعاً مسلحاً ضد الدولة العراقية في الماضي، ليبرز إلى العلن ذلك التناقض الكبير بين دمشق والأكراد، في وقت بدا فيه العامل التركي يضغط بقوة، حيث تسعى أنقرة، على عكس الولايات المتحدة، إلى منع ظهور كيان كردستاني جديد على حدودها، وهو ما تخطط له واشنطن، زد على ذلك المطامع التركية الخفية في الأراضي السورية، التي لم تستطع سياسة المراوغة التي مارستها أنقرة إخفاءها، تحت يافطات دينية وغيرها، ولذلك وجد الأكراد الذين غرقوا في عسل الوعود الأمريكية أنفسهم كرهائن في الخلافات بين الولايات المتحدة، وتركيا، لا سيما مع اتساع الهوة بينهم، وبين الحكومة المركزية في دمشق.
ومع أن رهان الأكراد ظل قائماً على استبعاد أي هجوم تركي واسع، بسبب التواجد الأمريكي، إلا أن تطورات الأوضاع كشفت زيف المواقف والوعود الأمريكية، حيث سهلت واشنطن، وبشكل مكشوف، العدوان التركي على سوريا، مضحية بالورقة الكردية، التي استخدمتها لإدامة وتصعيد الصراع في سوريا، تماماً مثلما استخدمت الورقة الكردية في العراق، لتنفيذ أجنداتها الخاصة.
لكن اللافت في الأمر، أن الأكراد الذين أغرتهم الوعود الأمريكية، باتوا الآن أحوج من أي وقت مضى لأن يعيدوا علاقتهم بالوطن السوري على أساس جديد، بعدما فشلت كل رهاناتهم على الدور الأمريكي، وهو ما بدا من خلال الدعوات الصريحة الصادرة عن القيادات الكردية، لدخول الجيش السوري، إلى عين العرب، وعفرين، ومنبج، وغيرها، بعد العدوان التركي الذي لا يهدد الأكراد وحسب، وإنما سوريا كلها، بل والأمن القومي العربي بشكل عام، وهو ما أكدته الجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً. وخلاصة القول، أن تجربة الأكراد السوريين تثبت أن من يراهن على القوى الأجنبية، ولا سيما الولايات المتحدة، لن يجني إلا الخذلان، وأنه آن الوقت لأن يستفيد الأكراد السوريون من تجارب إخوانهم في العراق، بل وتجارب كل الذين راهنوا على الموقف الأمريكي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"