الإعلام العربي الموحّد

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعزيز المقالح

لا يأس إذاً، هكذا قلت لنفسي وأنا أتابع ردود الأفعال العربية والإسلامية تجاه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ بنقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى «القدس». وبقدر كبير من التفاؤل، استعدت الثقة بحقيقة أن القضية المركزية للعرب هي ما يجمعنا ويجعلنا ننسى - ولو مؤقتاً - خلافاتنا ومعاركنا القائمة على الوهم والتصورات غير العقلانية. وزاد من مساحة تفاؤلي، وبالتأكيد تفاؤل جماهير الأمة العربية ما تم الإعلان عنه، (البث الموحد في وسائل الإعلام العربية المسموعة والمرئية وليوم واحد هو الأحد 24 من الشهر الحالي)؛ حيث إن هذا البث مثّل تجربة فريدة تكاد تكون الأولى من نوعها؛ بما تحمله من دلالات ومعان رمزية وإرهاصات بقرب توحّد الوسائل الإعلامية تجاه قضايانا الرئيسية أولاً، وقضايا المستقبل ثانياً، الذي لن يكون سعيداً وحافلاً بما نتمناه إلَّا في ظل وحدة أو اتحاد يحمي وجودنا ويضع الكرامة العربية في مكانها اللائق والمناسب في عصر تكاثرت فيه الأزمات والصراعات، وتزايد معه الطامعون والمتربصون.
وبعد هذه المقدمة المتفائلة، لا أستطيع أن أتجاهل الواقع العربي الراهن، وأن أجواءه قد وصلت من القتامة والسوء إلى درجة تدخل فيها ضمن قائمة الكوابيس؛ إلا أن هذه الإشراقات الصغيرة، التي تخرج من قلب الظلمات، بما تحمله من بشارات عن الموقف العربي الواحد؛ تفتح أبواب الأمل على مواقف أكبر وأوسع يخطو إليها القادة العرب، ويؤكدون -من خلالها- ولاءهم الحقيقي والصادق لهذه الأمة، التي ضلت طريقها، وشبعت من الهزائم، وضاقت بالخلافات المُصدّرة من الأعداء، وفي عناوينها ومفرداتها لمسميات من المستحيل أن تكون عربية أو ذات أساس عربي.
وبغض النظر عما تركه الاحتلال الأجنبي، وما بذره في بعض العقول الخاوية والنفوس الضعيفة من سموم التفرقة المذهبية والمناطقية، فإن هناك جيشاً جراراً من الإعلاميين والباحثين يواصلون بث تلك السموم بأساليب تدعي الاعتماد على التحليل، وتعبث بقواعد المنطق؛ لتصل إلى ما كان الاحتلال قد وضع أساسه وبدأ في التشريع له.
إن الشعوب العظيمة تسترخي، وقد تنام؛ لكنها تعود لتستيقظ وتعيد النظر في نفسها وفي ما حولها، وهي بعد خروجها من النوم الطويل - قد تخطئ الطريق وترى في العدو صديقاً، وفي الصديق عدواً؛ لكنها سرعان ما ترجع إلى الصواب، وتدرك حقائق الأمور.
والشعب العربي العظيم شأن كثير من الشعوب، التي أخطأت طريقها ثم أفاقت من قبضة التنويم والتمزيق. وما حدث في مبنى الأمم المتحدة من تعاطف شامل مع قضيته المركزية هو دليل على أنه مازال قادراً على أن يقف على قدميه، وأن يجد تضامناً صادقاً من كل شعوب العالم، التي تقاوم العدوان، وتكره الهيمنة، وحين يختار طريقه الصحيح، ويتخلى عن سلبياته والخلافات التي أثقلت كواهل أبنائه؛ سيجد أنه ليس وحيداً، وأن شعوب العالم تقف إلى جواره، وتؤيد بلا تحفظ أو تردد مطالبه في استرجاع حقوقه، وفي مقدمتها حقوق الشعب العربي الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال اليهودي منذ حوالي سبعين عاماً.
لقد انتصر العرب بوحدتهم في مواجهة القرار الاستفزازي للرئيس الأمريكي؛ لكن النصر وحده ليس كافياً كما يقول العقلاء؛ بل المحافظة على النصر، ومتابعة استكمال مقوماته هو الانتصار الحقيقي، فهل يدرك القادة العرب هذه الحقيقة؟ وماذا يعدون لما بعد الصفعة القاسية، التي وجهتها المنظمة الدولية باسم العالم كله إلى السياسة الأمريكية، التي افتقدت ما كانت تدعيه من حكمة وحياد؟ وإذا كان قد بقي شيء من العقل والحكمة في رأس الرئيس ترامب فلا وقت للمكابرة ولا وقت لتحدي العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"