الإمارات والتحدي الرقمي

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي*

كانت الصورة العالمية التي قدمتها مراكز الأبحاث العالمية عن منطقة الشرق الأوسط عن عام 2019 بالغة السوء باعتبار أنها كانت منطقة صراعات دامية، والإحصاءات تؤكد هذا بالفعل، فمثلاً يشكل سكان المنطقة ككل نحو 5.2% من سكان العالم، لكن صراعاتها تشكل نحو 17.5% من الصراعات القائمة في العالم، أي أكثر من ثلاث أضعاف نسبة السكان. وفي الوقت نفسه أجمعت تلك المراكز على استمرار مجتمعات عربية قليلة أخرى في البناء ومراكمة الإنجازات التنموية مع انتشار التكنولوجيا بدرجات مختلفة، وإجماعها أيضاً على أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما يحدث في دولة الإمارات مثلاً من تكثيف لاستعمال الذكاء الاصطناعي، وبين ما يحدث على هذا الصعيد في دول عربية أخرى، حيث البدايات متواضعة وبطيئة. إن ما تقوم به دولة الإمارات يستحق التأمل والسير على خطاه حيث تم رسم خريطة طريق مفصّلة وواضحة المعالم ومحددة المسار، وتهيئة بيئة ومناخ سليم ومعافى، وتعزيز أوضاع متسمة بالمرونة، ومجالات تدريب وتوفير الموارد البشرية المؤهلة واللازمة، وأهمية خلق آليات ومنابر وخدمات ذكية وفعالة وصديقة بيئياً لدخول عصر الثورة الصناعية الرابعة من أوسع أبوابه، وما يتصل بالذكاء الاصطناعي من تحديات. حيث يحتل الذكاء الاصطناعي أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الاقتصاد الرقمي بشكل يماثل الاقتصاد الناشئ من الكهرباء خلال الثورة الصناعية. وهذا توجه أساسي للدول الكبرى والناهضة، ومن ثم فإن التحدي القائم على الزعامة يعد نافذة على توازنات جديدة للقوى في منتصف القرن الحادي والعشرين. حيث يتيح الذكاء الاصطناعي للإنسان الآلي أن يتفوق على البشر، الذين أفسحوا المجال في السابق للآلات في لعبة الشطرنج، حيث كانت أكثر كفاءة. ولا ينبغي علينا إغفال الحديث عن الكم الهائل من العمليات التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي، مثل: البحث عن المعلومات على الإنترنت، وترجمة النصوص، والأوامر الصوتية للهواتف المحمولة، وتجنب التصادم أثناء القيادة. وترى معظم التوقعات الاقتصادية الموثوقة أن أي إسهام للذكاء الاصطناعي في التنمية الشاملة لكوكب الأرض لن يقل عن 15.7 تريليون دولار - ما سيمثل قفزة تتجاوز 14 % مقارنة بوقتنا الراهن - بحلول عام 2030. وبالتالي، فإن تولى قيادة تطوير الذكاء الاصطناعي يعني القدرة على التطلع إلى السيطرة على التطور الرقمي، وتقدم الدول الكبرى والمتطورة محفزات كبيرة للابتكار، ووراء هذا المحرك من الابتكار، هناك ثلاثة عناصر متشابكة ألا وهي: توافر سيل من مليارات الدولارات، التي تستثمرها الحكومات، فضلاً عن بنك البيانات الضخم، الذي تشيده تلك الدول. وضخت الولايات المتحد عبر قطاعها الخاص 70 مليار دولار سنوياً، من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، أي بزيادة تصل إلى 10 أضعاف ما تقدمه الصين، وبتمويل حكومي يتخطى 1.1 مليار دولار. في إطار المبارزة المستقبلية، فالذكاء الاصطناعي يمثل المستقبل، ليس للإمارات فحسب، وإنما للإنسانية جمعاء. ومن ستكون له الريادة فيه، سيهيمن على العالم. فقد كشف استطلاع للرأي أجرته مراكز دراسات تختص بالابتكار العالمي أنه توجد دول عدة تتقدم بسرعة في هذا القطاع منها اليابان وبريطانيا، وبعض الدول الآسيوية القليلة الأخرى، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت «تستفيد تلك الدول من التطور الكبير الذي تشهده الشركات الناشئة، ومن نوعية القطاع الأكاديمي». ومن المهم ملاحظة كيف أن تلك الدول الناهضة تطمح إلى لعب دور خاص بها في إطار هذا السيناريو بفضل المبادرة الخاصة بالذكاء الاصطناعي والآلي، لإقامة ما يمكن أن يكون «سوقاً رقمية موحدة» مع تنسيق ملامحها المتباينة بدءاً من التكنولوجيا والصناعة، وصولًا إلى الجوانب الأخلاقية، والقانونية، والاجتماعية - الاقتصادية. وهناك من يرى في هذه السيناريوهات مصدراً لصراعات جديدة بالتفكير في تايوان، على وجه الخصوص، لاسيما وأن هذه الجزيرة المستقلة تتباهى بوجود أكبر تمركز لمصنعي المعالجات فيها، وقد تكون الصين بحاجة ماسة لضمها بغرض السيطرة على ذراعها الحديدية المتحالفة مع الخصم الأمريكي، الذي ربما يحاول حماية السيادة التايوانية بالسلاح. وهناك أسباب كثيرة تبين لنا كيف أن الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خرائط توازنات كوكبنا قبل تسلمنا النتائج التاريخية الخاصة بمجال الابتكار. والإمارات في قلب تلك المعادلة.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"