الإمـــارات رمانــة الميــزان

01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

تتحدث مراكز دراسات اقتصادية غربية عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة أضحت من أهم رواد الجيوسياسة في الشرق الأوسط. دور الإمارات ك«رمانة الميزان» للخليج العربي يتصاعد سريعاً حتى أصبحت اليوم قوة إقليمية؛ فهي تلعب دوراً ريادياً في توفير الحاجات المستقبلية لأسواق النفط العالمية، عبر توفير مصادر الطاقة الهيدروكربونية وفي سوق الطاقة وهذا الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في أسواق الطاقة العالمية، يعود إلى أسباب رئيسية عدة، على رأسها: الاحتياطيات النفطية الكبيرة التي لديها، والاستثمارات الكبيرة المخصصة لاستغلال هذه الاحتياطيات، وعضويتها ضمن منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، تلك المنظمة صاحبة الدور الأكثر تأثيراً في خريطة النفط والطاقة العالمية بشكل عام.
ولاحظت تلك المراكز الاقتصادية أنه بجانب ذلك تتبع دولة الإمارات سياسة نفطية متزنة ورصينة، تزيد من ثقل وأهمية دورها كأحد الأدوار الداعمة لأمن الطاقة العالمي. تلك السياسة التي تتسم بدرجة عالية من التوازن على مختلف الأبعاد، فهي تحرص على تحقيق الأهداف الوطنية المتعلقة بقطاع الطاقة، بما فيها من أمن الطاقة الوطني، وبما فيها من المحافظة على حصة في أسواق النفط العالمية تتناسب مع الإمكانات الوطنية في هذا القطاع ومع الطموحات التي ترمي إليها الدولة كقوة مؤثرة في أسواق الطاقة العالمية.
وهذه السياسة في الوقت ذاته، تسعى إلى الموازنة بين الأهداف الحالية والأهداف المستقبلية لقطاع الطاقة، بما يعنيه ذلك من تحقيق أمن الطاقة في الوقت الحالي والمحافظة عليه وعلى استقراره في المستقبل، والمحافظة على حقوق أجيال المستقبل أيضاً في موارد الطاقة كافة. وفي نفس الوقت، تسعى الإمارات إلى التحول إلى عصر الطاقة النظيفة، وأنها استطاعت أن تحقق في ذلك نجاحات على قدر كبير من الأهمية. وبفضل التراث الاقتصادي الذي تم حصاده على مدار السنوات والقدرة على استثمار الموارد في التطوير التكنولوجي والعسكري، استطاعت الإمارات أن تتقدم في العديد من المجالات وأن تستقطع لنفسها مساحة مستقلة للمناورة. وأكدت تلك المراكز الغربية على أن قطاع التكنولوجيا يعد من أهم آليات تقدم الإمارات التي تسعى إلى أن تصبح رائداً عالمياً بهذا المجال.
وتعد هذه الخطة استراتيجية حقيقية بعيدة المدى ضمن مشروع «مئوية الإمارات 2070» ويعد «الذكاء الاصطناعي» أهم نقاط المشروع الأساسية للعقود القادمة، كما يتضمن مشروعاً آخر واسع المدى باسم «استراتيجية الإمارات الذكاء الاصطناعي 2031». وقد جاء التأكيد على الأهمية المركزية للذكاء الاصطناعي للإمارات من وراء خيار سياسي ثوري ليس فقط للمنطقة ولكن لجميع الحكومات الدولية. فالإمارات لديها وزراء بمتوسط أعمار 30 عاماً.
ولا يعد ذلك الدال الوحيد على رسم مستقبل الحقبة الجديدة للإمارات، لديهم سيرة ذاتية ترتكز على التكنولوجيا الحديثة باعتبارها قائداً للقمم العالمية للحكومات و استراتيجيات الأمم فيما يخص الذكاء الاصطناعي، ويعد ذلك بمثابة طفرة عالمية وتعتمد تلك الوزارات بشكل حصري على تطوير تكنولوجيا تستطيع من خلالها حكومة الإمارات التقليل من عواقب الأزمات الاقتصادية والنهوض بجميع الموارد ومشروعات التنمية، بالإضافة إلى أن مجال التكنولوجيا يمثل واحداً من أغنى الأسواق في المستقبل القريب.
وفي السنوات الأخيرة حققت الاستثمارات العالمية بهذا المجال 40 مليار دولار، وعلى الرغم من اكتساح استثمارات الصين والولايات المتحدة لهذا المجال، فإن عمالقة الإنترنت (خاصة أمازون وجوجل) لهم حالياً برامج استثمارية مستقلة. ويذكر أن وجود دولة بالشرق الأوسط في المقدمة بقطاع ساطع بالمستقبل مثل (الذكاء الاصطناعي) يكشف عن رغبة الإمارات في التصدر بين قوى الخليج العربي بل الشرق الأوسط بأكمله، وامتلاك حيز مركزي من التكنولوجيا لتكون ثورة حاسمة في حياة الإنسان على كافة الصعد. ويعني ذلك أن الإمارات تسعى لتكون قطباً في العلوم والتكنولوجيا على صعيد عالمي، لتتمكن من جذب الاستثمارات الأجنبية والتقليل من الاعتماد على تصدير المواد الهيدروكربونية، فالإمارات تسعى للتواصل مع العولمة وقررت أن تصبح قوة أساسية في الشرق الأوسط، والواقع أن ما يؤكد ذلك حفاظ الإمارات على صدارتها في المركز الأول عربياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019، وحققت تقدماً على الترتيب في تصنيفها العام على المؤشر بمقدار مرتبتين لتصبح في المركز 36 عالمياً.
وقد واصلت الدولة أداءها المتقدم في مدخلات الابتكار، وهو أحد المكوِنين الرئيسيين لمؤشر الابتكار العالمي، حيث حلت في المرتبة 24 عالمياً، متفوقة في هذا المكوِن على دول بارزة في مجالات التنمية والابتكار، مثل إيطاليا وإسبانيا والصين. و58 في مكوِن مخرجات الابتكار. وتتبع دولة الإمارات خطة استراتيجية تهدف إلى تحسين نتائجها على المدى القصير في مؤشر الابتكار العالمي كجزء من الأجندة الوطنية، مع العمل أيضاً على تعزيز نتائج الابتكار على المدى الطويل، لتحقيق المستهدف الوطني المتمثل في أن تكون دولة الإمارات ضمن الدول الرائدة عالمياً في مجال الابتكار.
حققت الإمارات نتائج متميزة في مكوِن مدخلات الابتكار، استناداً إلى أداء جيد ومعدلات تحسن مهمة في عدد من المحاور المندرجة تحت هذا المكوِن، من أبرزها التحسن الكبير في تصنيف الدولة على محور «رأس المال البشري والبحوث» من المرتبة 31 عام 2018 إلى 18 خلال العام 2019، والتحسن الجيد أيضاً في محور «البنية التحتية» من المرتبة 28 عام 2018 إلى المرتبة 21 في مؤشر العام 2019، وكذلك في محور «المؤسسات» من المرتبة 29 إلى المرتبة 28 في 2019. أما في محاور ومؤشرات مخرجات الابتكار، فحققت الدولة قفزة كبيرة بمقدار 20 مرتبة في محور «المخرجات الإبداعية» من المركز 70 في عام 2018 إلى المركز 50 في عام 2019.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"