الاحتلال واغتيال العقل

أفق آخر
02:45 صباحا
قراءة دقيقتين

الأرقام قدر تعلقها بضحايا الحروب ليست صماء وعدد العلماء والمفكرين والتكنوقراط الذين حصدتهم الحرب الأهلية في لبنان كان بمثابة اغتيال العقل، وتصفية الوعي، والفلسطينيون الذين استهدفتهم الصهيونية اغتيالاً ومطاردة كان منهم مفكرون ومثقفون يصعب تكرار أمثالهم، وهذا ما حدث في العراق خلال السنوات الخمس الماضية، فالإحصائية المثبتة حتى الآن عن اغتيال العقل تتجاوز الخمسة آلاف عالم عراقي، منهم أكاديميون بارزون ومثقفون وشعراء، وذوو اختصاصات نادرة في الطب والهندسة.

وسيبقى السؤال عمن قتل هؤلاء أو تعقبهم معلقاً إلى إشعار آخر، لأن الجهات التي استهدفت هؤلاء يصعب فرزها ضمن تلك الفوضى المدمرة التي سماها الرئيس الأمريكي بوش فوضى بناءة على سبيل التضليل انسجاماً مع كل المصطلحات والشعارات التي استخدمت لتبرير الحرب، التي كانت ولا تزال من أغرب الحروب، لأنها حاولت البحث عن شرعيتها بأثر رجعي، وهي بالطبع شرعية ملفقة، ولم يعد بإمكان أحد باستثناء بوش وزمرته الدفاع عن جدواها، خصوصاً بعد إعلان الخسائر المادية والبشرية.

وإذا أضفنا مقتل الخمسة آلاف عالم عراقي إلى الثمانية ملايين المشردين في ثمانين دولة في هذا الكوكب يكون أحد أهم أهداف الحرب قد تحقق، لكن بالمعنى الذي تحدده الإدارة الأمريكية وتبعاً للموعظة التي كان مارتن انديك قد توجه بها إلى البنتاجون قبل وقوع الحرب على العراق بعشر سنوات عندما حذر من دور العلماء العراقيين في المنطقة، واستثمارهم للتصنيع العسكري.

إن نسبة الخمسة آلاف عالم من مجموع سكان العراق قبل الحرب وهو أقل من خمسة وعشرين مليوناً تعتبر كارثية، وتعويض هؤلاء في المدى المنظور مسألة مشكوك فيها ليس لأن العراق غير ولود بل لأن العلماء الذين يتعرضون للتصفية الجسدية هم في الأغلب نسبة قليلة من السكان لا في العراق فقط بل في كل دول العالم.

إن من بعثروا أحشاء المتحف العراقي على الأرصفة وهربوا أثمن مقتنياته يعنيهم أكثر من سواهم استئصال الدماغ من الجسد العراقي، كي يعاد بالفعل وكما قال جنرالات البنتاغون إلى ما قبل القرن العشرين.

ولا ندري لماذا لا تصدر قائمة خضراء بأسماء العلماء والمثقفين والناشطين العرب الذين اغتيلوا خلال العقدين الماضيين على امتداد الوطن العربي، فهم قتلوا في عدة ساحات وفي حروب متباعدة جغرافياً.

لكن أسباب قتلهم هي ذاتها، ما دام المقصود هو إخصاء العقل العربي وإبقاء هذه الشعوب عند عتبة الحداثة، بحيث يحال بينها وبين الدخول إلى العصر، لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لتأبيد التخلف والمراوحة على طريقة محلك سر.

كم من الوقت والجهد سيبذل العرب المعاصرون كي يعوضوا هذه الخسائر؟ ولماذا يغيب عنا أن تصفية العلماء والأكاديميين والناشطين في مختلف الحقول هي قرار صهيوني قديم، وقد يستخدم قفازات وأدوات من مختلف الجنسيات، لتحقيق هذا الهدف؟

فالمطلوب عالم عربي منزوع الوعي، ومجرد كثافات بشرية تجرب فيها استراتيجيات من طراز الفوضى المدمرة.

من قتل هؤلاء العلماء؟ ولماذا؟ هذا سؤال معلق لأن الاحتلال يحول دون الاجابة عنه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"