الاستغلال الخطِر للتردد الأمريكي

02:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يرجح كثيرون أن حرباً أو مواجهة عسكرية أمريكية إيرانية لن تقع. ورغم أن الطرفين يتجنبان الصدام بكل السبل، فإن طهران تستثمر النزعة اللاحربية الأمريكية، بأكثر مما تستغل واشنطن تفادي طهران للحرب. والاستفزازات الإيرانية الخطِرة على مدى الأسابيع الأربعة الماضية تشهد على هذه المناورات الدائرة من طرف طهران في حرب استنزاف المعنويات، والإيحاء بامتلاك زمام المبادرة، مع محاولة تكبيد الآخرين الخسائر لحملهم على الضغط على واشنطن، فالسفينتان اللتان تم استهدافهما في خليج عمان ليستا أمريكيتين، لكن الاستهداف جرى في سياق الصراع مع واشنطن، ولكن من دون أن تتجه النيران إلى أي هدف أمريكي. وبعبارة أخرى فإن طهران تُحسن عسكرياً استثمار التردد الأمريكي، بينما لا تجيد واشنطن في أدائها العسكري، استغلال الخشية الإيرانية الفعلية من الحرب.
على هذا النحو تدور اللعبة الإيرانية الخطِرة، في استغلال الحالة الرمادية الأمريكية، أو الاضطراب المتواصل في واشنطن، والناشئ عن انفراد البيت الأبيض بالقرارات مستغلاً إلى الحد الأقصى الصلاحيات الممنوحة له في الدستور. فالرئيس دونالد ترامب يؤثر الحرب التجارية والعقوبات الاقتصادية على الحرب المباشرة. وهو في ذلك لا يختلف كثيراً عن الرئيس السابق أوباما، الذي كان يتجنب المواجهات حقناً لدماء الجنود الأمريكيين، أما ترامب فيتفادى الحرب مخافة التعرض لخسائر اقتصادية ونزف الأموال، ويختار بدلاً من ذلك إلحاق خسائر اقتصادية جسيمة بالخصم. وهذه فلسفة العقوبات التي يرى ترامب أنها حربه المفضلة التي لا تراق فيها دماء، ولا يمكن للخصم الرد عليها بعقوبات مماثلة كما هو الحال مع إيران حالياً. وحتى في المشاريع السلمية فقد اختار ترامب سلاماً اقتصادياً في صفقته المسماة «صفقة القرن». مع ترك مسألة التسيّد العسكري لحلفائه في تل أبيب.
وإذ تسود حالة من اللايقين في دوائر الخبراء والمحللين حول مآلات التوتر الذي يزداد سخونة بين طهران وواشنطن؛ فذلك لأن البيت الأبيض، يرسل على الدوام إشارات متناقضة.
على أن هذا التحليل يبقى ظرفياً، فلا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور. وأية «أخطاء» قد تقع من هذا الجانب أو ذاك، وخاصة من طرف طهران، المهجوسة بسمعة عسكرية وبعُظام حربي كوسيلة فضلى للنفوذ في الخارج والسيطرة في الداخل، ولكن مع تجنب الاحتكاك مع واشنطن أو تل أبيب، وكما تدل على ذلك الاعتداءات «الإسرائيلية» على مواقع إيرانية في سوريا وعدم الرد عليها من طرف طهران.. ثم كيف سيتطور التباين بين البيت الأبيض والبنتاجون؟ وما هو دور مستشار الأمن القومي جون بولتون في ترجيح الكفة؟.
والخطورة أن طهران تختار أهدافاً غير أمريكية، وبالذات في منطقة الخليج لاستعراض عضلاتها. وبهذا فإنها تهدد أمن المنطقة؛ إذ تستخدمها ميداناً لإرسال رسائل إلى واشنطن. ولم يتوقف الأمر عند استهداف ناقلتين في بحر عُمان، بل جرى استهداف مطار أبها السعودي عبر الذراع الحوثي في الآونة ذاتها. ومغزى ذلك أن منطقة الخليج هي التي تتعرض للأخطار، فيما يرسل ترامب إشاراته المتكررة لطهران داعياً للتفاوض، وبينما كان التفاوض مطلباً إيرانياً، فقد استغلت طهران الإلحاح الأمريكي على الأمر، كي تعلن على لسان المرشد علي خامئني رفضها للتفاوض!. ويلي ذلك تصريح لوزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان يقول فيه إن الوضع في الخليج «مسؤولية دولية، ونعوّل على الدبلوماسية لخفض التوتر».
من حق الجميع التساؤل في غمرة المخاطر الداهمة، عما إذا كانت هناك خطوط أمريكية حمراء بالفعل أم لا. وذلك في ضوء التقلبات في المواقف، وتعاقب عمليات التسخين والتبريد، بصورة فجائية في كل مرة. وهل سلامة الملاحة الدولية في مياه منطقة الخليج، تعتبر من الخطوط الحمراء، أم هي مجرد خطوط خلفية «بعيدة»، أم أن الأمر يتعلق بسلامة السفن والناقلات الأمريكية حصراً، من دون ما عداها من سفن وناقلات؟.
تبدو الحرب حتى تاريخه مجرد خيار بين خيارات أخرى، لكن الاعتداءات على منطقة الخليج ما إن تتوقف، حتى تتجدد من الطرف المعلوم. والرد على الاعتداءات والتهديدات، لا يعني الدعوة إلى حربٍ لا تُبقي ولا تذر، فلا أحد يحب الحرب أو يتمناها، إنما يعني تفحص مختلف الخيارات لاستكشاف مدى فاعليتها في لجم الطرف المعتدي. بعدما تبين أن الضغوط الاقتصادية على جانب من الأهمية، لكنها لا تكفي وحدها. وليتها كانت كافية بالفعل، وتحمل المعتدين على مراجعة مواقفهم وإعادة النظر في سياساتهم والتوقف عن اعتداءاتهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"