الاقتصاد السوري.. دروس من لبنان

02:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة

تمر سوريا منذ سنة 2011 بأوضاع مشابهة لما حصل في لبنان بدءاً من سنة 1975. هذه الحرب المدمرة مكلفة جداً للاقتصاد وللشعب وللمنطقة العربية ككل. التكلفة لا تقتصر فقط على الماديات والبنية التحتية، وإنما تتعداها إلى التكلفة الإنسانية والبشرية والاجتماعية وغيرها. في لبنان نحن متأثرون جداً بالحرب في الدولة الصديقة الوحيدة التي لنا حدود برية معها. علاقاتنا بسوريا تبدأ بالترابط الشعبي إلى الزيارات والنقل والسياحة والاستثمارات وغيرها. خلاص سوريا هو خلاص للبنان أيضاً، لأننا لن نعرف الازدهار الاقتصادي مجدداً قبل أن تنتهي الحرب في سوريا.
قبل الحرب، كانت الأوضاع الاقتصادية السورية ناشطة والقوانين تتأهل تدريجياً. كان التقدم واضحاً في التعليم والصحة والبنية التحتية. لم تكن المشكلة السورية اقتصادية، بل سياسية بامتياز وكان هنالك تقصير كبير واضح ومزمن على هذا الصعيد، حصلت الحرب للأسف ولا شك أنها أعادت الاقتصاد السوري عقوداً إلى الوراء. في دراسة قيمة لصندوق النقد الدولي، تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السوري هو نصف ما كان عليه في سنة 2011. بعد انتهاء الحرب، لن يعود الاقتصاد إلى مستوى 2011 إلا بعد عشرين سنة على الأقل. الخسارة كبيرة للجميع في سوريا، ولا شك أن وقف الدمار والقتل من قبل الجميع ضروري للقيام بالتواصل الحواري الجدي والشفاف بأسرع وقت.
قبل الحرب، كانت الحكومات السورية تحاول القيام بالإصلاحات الاقتصادية. بدأت بتحرير الاقتصاد لتشجيع الاستثمارات. وصل النمو في سنة 2008 إلى 4,5%،و 5,9% في 2009 و3,4% في 2010 في وقت كان العالم الغربي كما الناشئ يعاني أزمة الركود الاقتصادي الكبير. كان الاقتصاد بالتالي مستقراً بالرغم من تقصير الحكومات المتعاقبة في معالجة مشاكل الفساد والبطالة والفقر. وصلت نسبة البطالة إلى 10,9% في سنة 2008،و 8,1% في 2009 و8,6% في 2010 علماً أن الأرقام الحقيقية يمكن أن تكون أعلى في غياب الشفافية المفقودة في الحقيقة في كل العالم العربي. لم يعم النمو كل المناطق السورية كما لم يتوزع بشكل عادل بين طبقات الشعب، مما ساهم في خلق موجة من الغضب والرفض. حكماً لم تكن الإصلاحات السياسية كافية ولم تستفد منها كل أقسام الشعب بل استفاد منها قسم قليل من السياسيين والأفراد.
كان هنالك عجز مقبول في الموازنة بحدود 2,9% في كل من سنتي 2008 و2009، و8% في سنة 2010 بسبب تدني الإيرادات النفطية. بقي الدين العام في حدود 30% من الناتج حتى سنة 2010 وهذا ممتاز دولياً. أما ميزان الحساب الجاري، فتحول من فائض 0,2% من الناتج إلى عجز 1,5% فإلى فائض 0,9% من الناتج في 2010. هذه أيضاً أرقام مقبولة لاقتصاد يحاول في منطقة مضطربة لم تعرف الهدوء الحقيقي منذ عقود من الزمن. بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 2,8% من الناتج في 2008، 4,8% في 2009 و3,8% في 2010. ربما هنا كان هنالك تقصير في جذب استثمارات أكبر عربية وأجنبية لم تأت على الأرجح بسبب ضعف الثقة في الاقتصاد المحلي وربما في اقتصاد المنطقة ككل. أما الاحتياطي النقدي، فوصل إلى 20,7 مليار دولار في سنة 2010 ليغطي 12 شهراً من الواردات وهذا جيد بالمعايير الدولية.
بدءاً من سنة 2011 وبسبب الحرب، انقلبت الأرقام رأساً على عقب ودخل الاقتصاد السوري في نفق مظلم ولم يقترب ربما بعد من الخروج منه. العنف الحاصل مدهش ومؤلم كما أن الكارثة الإنسانية كبيرة ، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في الهجرة والبطالة والفقر. الأطفال هم الخاسرون الأساسيون إذ إن المستقبل أصيب، كما أن العناية الصحية المتوافرة للجميع لم تعد مقبولة. هنالك مشكلة غذائية واضحة بسبب عدم توافر السلع ولصعوبة إيصالها إلى أماكن الحرب والعنف والدمار، إضافة إلى فقدان الكهرباء والمياه في العديد من الأماكن والقرى والمدن. فعلاً عودة كارثية إلى الوراء. سقط النمو إلى سلبي 5,9% في 2011، 21,3% في 2012 وهلم جرا. ارتفعت البطالة إلى 14,9% في 2011، ووصل التضخم إلى 37,4% في سنة 2012 بسبب ضعف العرض الناتج عن انخفاض الإنتاج وتعثر النقل. ارتفع عجز الموازنة إلى 22,1% في سنة 2014 بسبب انهيار الإيرادات الضرائبية والنفطية. وارتفع الدين العام إلى 149,9% من الناتج في سنة 2015. انهار الاحتياطي النقدي إلى 5 مليارات دولار في 2014 ومليار واحد السنة الماضية أي ما يكفي لتغطية شهر واحد فقط من الواردات. كارثة اقتصادية تنعكس سلباً على كل شيء.
ما المطلوب اليوم وغداً، وما هي دروس التجربة اللبنانية المعروفة سوريّاً وعالمياً؟ لا بد من التذكير بها للمصلحة المشتركة والعامة:
أولاً: تقصير مدة الحرب التي دمرت الكثير حتى اليوم وستدمر أكثر إذا استمرت.
ثانياً: لا أحد يهتم بلبنان أكثر من اللبنانيين، ولا أحد سيهتم بسوريا أكثر من السوريين. إذا لم يحصل هذا الوعي بل هذا التواصل الحتمي، ستستمر الحرب وترتفع الخسارة المادية والبشرية والإنسانية إلى مستويات أخطر وأكبر، والتعويض سيكون مكلفاً أكثر بكثير.
ثالثاً: كما في لبنان، إعادة بناء الحجر صعبة وحتى اليوم لم نبن كل ما خسرناه. لكن إعادة بناء الإنسان أصعب بكثير وهذا ما زلنا نعانيه حتى اليوم. رابعاً: ستبقى العلاقات اللبنانية السورية قوية في السراء والضراء. عندما تنتهي الحرب السورية وستنتهي يوماً ما، سيشارك اللبنانيون في الإعمار استفادة من تجربتهم، خاصة في القطاعات التي للبنان فيها ميزات تفاضلية وفي طليعتها الخدمات المصرفية والتأمينية والتعليمية والاستشفائية وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"