المواجهة الأمريكية الصينية

21:48 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

هنالك دائماً تمايز بين العقائد والسياسات. تقوم الولايات المتحدة مثلاً، زعيمة الاقتصاد الحر، بتقييد حرية الشركات الأمريكية في الاستثمار بالصين في بعض قطاعات التكنولوجيا، خوفاً من استعمالها لتقوية الجيش الصيني. يقول صندوق النقد الدولي إن المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تكلف الاقتصاد العالمي نقطتي نمو سنوياً مستقبلاً، وهذه كلفة كبيرة لاقتصاد دولي متعثر أصلاً. يقول المصرف المركزي الأوروبي إن المواجهة المذكورة ستُحدث المزيد من التضخم بسبب تعثر سلاسل الإمداد. تأثر العرض سلباً يؤدي إلى ارتفاع مؤشر الأسعار. يقول الرئيس بايدن إنه لا يهدف إلى عرقلة النمو الاقتصادي الصيني، بل يخشى أن تنعكس القوة الصينية سلباً على مسيرة الاقتصاد العالمي أو بطريقة أخرى يخشى سيطرة الصين على الاقتصاد الدولي.

في الصين نفسها، تقوى المركزية السياسية الهادفة إلى تعزيز سلطة الرئيس «شي»، وليس إلى تطوير الاقتصاد الذي يعاني كثيراً، بعد فترة «كورونا»، وتغيير سياسة الولد الواحد، كمّاً من المشاكل الاجتماعية المتنوعة. مقابل الصراع الأمريكي الصيني، تقف مصالح أمريكية واضحة مرتبطة بحاجة الولايات المتحدة إلى الصين في موضوعي المناخ والتنمية الاقتصادية العالمية؛ حيث ما زالت مساهمة الصين المالية والتقنية والبشرية خجولة. ضمن هذه المواجهة، تسعى الولايات المتحدة إلى تطوير علاقاتها أكثر باقتصادات آسيوية قوية كاليابان وكوريا الجنوبية، ما يُفسر أسباب تواصل القيادات الثلاث. كوريا الجنوبية تدهش العالم بقوتها الاقتصادية، حيث شركاتها المهمة Chaebols تكبر وتنتج سلعاً فاعلة. ارتفعت القيمة السوقية للشركات الكورية العشر الكبرى من 133 مليار دولار في سنة 2000 إلى 291 مليار دولار في 2010 و 603 مليارات دولار في 2020 وأكثر اليوم. أما اليابان فمسيرتها الاقتصادية مدهشة ومعروفة.

الشركات الكورية عائلية وتبقى مضرب مثل في النجاح. استطاعت اعتماد الخبرات الكبيرة الكفوءة لمساعدة أفراد العائلة في إدارة الشركات. للشركات العائلية مزايا مهمة؛ إذ تتخذ فيها القرارات بسرعة معتمدة عموماً على استراتيجيات طويلة الأمد تنتقل عبر الأجيال. لكن في الوقت نفسه حسن استعمال الخبرات الخارجية في التطلعات المهمة يفيد جداً، وهنا يكمن الذكاء العائلي الكوري الذي جمع بنجاح الملكية العائلية والخبرات الخارجية المتخصصة. أما من ناحية الشفافية، فتطورت تقنيات الإشراف الداخلي كما الخارجي، أي لم تعد هذه الشركات مقفلة أمام الرقابة المهنية الخارجية أي رقابة القطاع العام. هذه دروس كورية جنوبية مفيدة لكل الشركات.

أوروبا تتغير كل يوم خصوصاً منذ بدء الحرب الأوكرانية. تتغير العقيدة الاقتصادية الليبيرالية الأوروبية لتحل مكانها سياسة الدعم والتدخل لتخفيف أوجاع المواطنين. هنالك دعم نقدي مباشر وتخفيف ضرائبي وسقوف وضعت لأسعار الطاقة لم تكن لتحصل لولا الحاجة المعيشية. أوروبا غيرت عقيدتها التطبيقية لتلبية حاجات المواطنين. هنالك تقنين إنفاقي تجاه الحاجات غير الضرورية وقفاً للهدر. الانتخابات التشريعية الأوروبية الأخيرة غيرت الكثير وسمحت للأحزاب المتطرفة بالظهور والتأثير. المبادئ مهمة، لكن معالجة الواقع وإيجاد الحلول أهم بكثير.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38dk8b6h

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"