التبعات السياسية للتحوّل الديني

04:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تعترف معظم دساتير الدول الوطنية المعاصرة بمبدأ حرية المعتقد، بيد أن التحول الديني المتعلق بالانتقال من دين إلى آخر أو بتغيير المذهب داخل المنظومة الدينية نفسها، يفرض على الدول تحديات حقيقية في منتهى الخطورة، وتترتب عليه تبعات سياسية غير متوقعة على مستوى رهاناتها الوطنية وخياراتها الاستراتيجية، تؤثر بشكل جدي في أمنها واستقرارها؛ لأن التحول الديني وإن كان بمنزلة خيار مستقل يمارسه الأفراد، فإن له انعكاسات سلبية على العلاقات المجتمعية، ومن شأنه أن يؤدي إلى فرض توازنات ووقائع جديدة داخل الدولة الواحدة.
ولذلك فإن التحول الذي نتحدث عنه في هذه العجالة لا يحدث بالوتيرة وبالزخم نفسه عبر كل الجغرافيا السياسية للعالم، فهناك مناطق تبدو مغلقة ثقافياً ودينياً وعرقياً، ولا يحدث فيها التحوّل الديني للأفراد إلا نادراً، في مقابل مناطق جغرافية عُرفت عبر تاريخها بالتنوّع الثقافي والديني. إذ من الصعب أن نتحدث مثلاً عن التحول الديني في مجتمع مثل المجتمع الصيني، كما أن هناك فضاءات أخرى منفتحة، ولكنها لا تعايش تجربة التحول الديني إلا فيما ندر مثلما هو الوضع عليه في أغلب دول أمريكا اللاتينية التي تمارس فيها الكنيسة الكاثوليكية تأثيراً كبيراً في المجال العمومي.
ونجد في مقابل ذلك مناطق جغرافية معروفة بتنوعها الثقافي والديني عبر مجمل تاريخها، وهي معرضة أكثر من غيرها للمخاطر المترتبة على التحوّل الديني والطائفي مثلما هو الشأن عليه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وفي مجمل الفضاء المتوسطي الذي يعتبر مهد الحضارات الإنسانية الكبرى؛ حيث عرفت الكثير من الدول الأوروبية خلال السنوات الماضية نقاشاً سياسياً ومجتمعياً كبيرين بشأن تزايد أعداد المهاجرين المسلمين في دول أوروبا، كما عُرض على النقاش موضوع تحوّل قسم من السكان الأوروبيين المسيحيين إلى الإسلام. وتميّز هذا النقاش بحساسية بالغة عندما طرح موضوع المقاتلين الأوروبيين في العراق وسوريا، من منطلق أن ممارسات بعضهم تميّزت بقسوة ووحشية كبيرتين، وتطرح الآن بحدة مسألة عودة أطفالهم إلى بلدانهم الأصلية بعد هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي.
وتشير السلطات الفرنسية، على سبيل المثال، إلى أن هناك استقراراً في أعداد الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام خلال السنوات الماضية، وتعتبر نسبتهم مرتفعة قياساً بمجمل دول الاتحاد الأوروبي، حيث يتجاوز عدد المعتنقين 4000 شخص سنوياً. وأشار تقرير فرنسي نشر سنة 2010 إلى أن هناك ما بين 70000 و 110000 مواطن فرنسي اعتنق الإسلام أغلبيتهم من النساء، وهناك إحصاءات أخرى غير معتمدة رسمياً تشير إلى أن عدد المتحولين إلى الإسلام في فرنسا هو أكثر من ذلك بكثير وقد يصل إلى الآلاف سنوياً، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن بريطانيا التي اعتنق فيها الإسلام نحو 5200 شخص في سنة 2011، ومع ذلك فإن الجمعيات الإسلامية في أوروبا تذهب إلى أن بعض حالات اعتناق الإسلام مشكوك في مصداقيتها لأن هناك من يدّعي اعتناق الإسلام لضرورات أمنية واستخباراتية.
ونستطيع أن نفسّر أيضاً ارتفاع نسبة عدد النساء المتحوّلات إلى الإسلام، من خلال الأخذ في الحسبان ازدياد عدد الأوروبيات المتزوجات بالمسلمين، فقد أشارت دراسة بريطانية إلى أنه من بين 100 ألف شخص اعتنقوا الإسلام في المملكة المتحدة من سنة 2001 إلى سنة 2011 وصل عدد النساء إلى 75 في المئة، والملاحظة نفسها يمكن تسجيلها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وصفوة القول: إن محاولة التوفيق ما بين حرية المعتقد الذي تضمنه الدساتير وبين المحافظة على الهوية الدينية للدول المنصوص عليها في التشريعات الوطنية، يشكل مفارقة كبرى بالنسبة للنخب السياسية التي كثيراً ما تجد نفسها محاصرة بين مقتضيات احترام الحرية الفردية للأشخاص وضرورات المحافظة على التوازنات الداخلية الضامنة لأمن واستقرار الكيانات الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"