التجربة الحزبية الأردنية في منعطف

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في صيف عام 2009 تم الإعلان في الأردن عن إشهار حزب التيار الوطني، بقيادة رئيس مجلس النواب والوزير السابق عبدالهادي المجالي. وقد نُظر آنذاك لهذا الحزب على أنه في سبيله لأن ينال في أقرب الآجال موقعاً بارزاً في الحياة السياسية والعامة، كأحد أكبر ممثلي تيار الوسط.
في تلك الفترة انطلقت دعوات رسمية على أعلى مستوى لإنشاء تيارات حزبية كبيرة (أربعة تيارات مثلاً..) من أجل أن تتمتع الحياة الحزبية بثقل كانت تفتقده آنذاك. وهي الفترة نفسها التي شاعت فيها فكرة الحكومات البرلمانية، والمقصود أن تتولى الأحزاب التي تحرز مقاعد أكثر في البرلمان، تشكيل الحكومة، وذلك على النمط الديمقراطي الغربي.
وقد ضم حزب التيار الوطني بعض الأحزاب التي اندمجت في الحزب الجديد، الذي شهد أكبر عملية إشهار لحزب في العاصمة عمّان؛ حيث ضم الحفل بضعة آلاف من النخبة البيروقراطية ووجهاء المجتمع والقطاع الخاص. وكانت التقديرات أن الحزب سيلعب دوراً مؤثراً في إيجاد توازن مع حزب جبهة العمل الإسلامي، ومع أحزاب المعارضة القومية واليسارية. وقد ضم الحزب في صفوفه عدداً كبيراً من المسؤولين السابقين والمتقاعدين في مختلف المواقع، وقد شارك وزير التنمية السياسية آنذاك موسى المعايطة في الترحيب بإشهار الحزب في سابقة سمحت لبعض المتابعين وصف الحزب الوليد بأنه «حزب الدولة».
قبل أيام وبعد مداولات استغرقت بضعة أشهر داخل الحزب الكبير، أعلن رئيسه في مؤتمر صحفي عن حل الحزب. وانتقد في المناسبة الحكومة التي تريد من الأحزاب أن تكون مجرد ديكور، كما قال المجالي الذي نعى على الحكومة عدم جديتها في التعامل مع الحياة الحزبية. وقد وصفت بعض الأحزاب حل هذا الحزب بأنه بمنزلة جرس إنذار لما آلت إليه الحياة السياسية عامة والحياة الحزبية خاصة. فيما نفت الحكومة على لسان وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الاتهامات التي وجهها المجالي بعدم توفر إرادة سياسية من قبل الدولة لإنجاح التجربة الحزبية.
المثير هنا أن عدداً من الأحزاب الوسطية ضمن تيار التجديد أعلنت أنها عاكفة على دراسة النظر في وضع أحزابها بما في ذلك فكرة الحل. بينما قالت بعض قيادات الحزب الذي تم حله أن هناك نحو عشرين حزباً تفكر قياداتها باتخاذ خطوة مماثلة وهي الحل. يذكر هنا أن عدد الأحزاب الأردنية يبلغ نحو خمسين حزباً، وتأثيرها في الشارع ضعيف. وبينما انشغلت النخبة السياسية بخبر حل حزب التيار الوطني، فإن عامة الناس لا تتناهى إلى أسماعها مثل هذه الأخبار، وإذا سمعت فإنها لا تجد حماسة للتعليق.
وباستثناء حزب جبهة العمل، فإن الأحزاب قلما تنجح في إيصال مرشحيها إلى البرلمان. ومن الملاحظ أن حضور البُنى الاجتماعية التقليدية من عشائر وعائلات ممتدة قد ازداد في العقدين الماضيين، وذلك جنباً إلى جنب مع زيادة عدد الأحزاب، لكن بغير فاعلية تذكر لها. والعديد من الحزبيين يترشحون للانتخابات النيابية بصفتهم العائلية والمناطقية، وليس بصفاتهم الحزبية. وكان قد تم رفع الحظر عن الأحزاب منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. وقد انضوت أحزاب المعارضة ضمن هيئة تنسيق مشتركة لسنين طوال، لكن هذه الصيغة توقفت منذ عام 2011، ثم جرى استبدالها بتجمع لقوى قومية يسارية.
ومع الضعف الذاتي الذي تعيشه هذه الأحزاب التي لا تواكب الإيقاع المتسارع لعصرنا وتدفق المعلومات فيه، ونشوء الكثير من الأحزاب على أسس شخصانية لزعاماتها، وكذلك شيوع ظاهرة الانشقاقات، فإن فكرة الانتماء الحزبي ظلت غير مقبولة في مرافق الدولة وأجهزتها، وبالذات بالنسبة للوظيفة العمومية بمختلف مستوياتها. وكذلك الأمر بالنسبة للجامعات (في الأردن ما يزيد على عشرين جامعة بين رسمية وأهلية)؛ حيث الانتماء الحزبي لأعضاء الهيئة التدريسية وكذلك للطلبة هو أمر غير مرحب به في الدوائر المعنية. ومغزى ذلك أن قطاعات عريضة وحيوية من المجتمع ظلت خارج الحياة الحزبية. فيما يسهم الوضع الاقتصادي الصعب والارتفاع المتزايد في كلفة المعيشة في صرف الكثيرين عن الشأن السياسي عموماً والحزبي خصوصاً.. مع أن أزمات من هذا النوع تدفع في ظروف أخرى (وفي بلدان أخرى) نحو الانشغال بالشأن العام، وذلك من مدخل السعي لمعالجة الأزمات الحياتية الضاغطة. غير أن الرأي العام يكاد يلتقي مع الحكومات في اللامبالاة تجاه الأحزاب، وبدرجة أقل تجاه البرلمان.
وفي جميع الأحوال فإن التجربة الحزبية في الأردن بعد أكثر من ربع قرن عليها باتت أمام منعطف فإما أن تعيد بناء «نفسها» أو تمضي على طريق الاضمحلال.. علماً أن بعض الأحزاب يرتضي واقعياً بوجود حزبي رمزي دائم يستند إلى إرث تاريخي، رغم الاستنفاد التدريجي لمفاعيل هذا الإرث في أنظار الأجيال الجديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"