التحرير الاستعبادي

لزوم ما يلزم
02:24 صباحا
قراءة دقيقتين

كان على سيّدات منقبات من بلدان معيّنة، أن يحضرن المؤتمر النسائي العالمي المنعقد هذه الأيام في باريس، ويتألّقن بوضع شعاره التحوّلات الجيوسياسية في السيخ والسفّود على نار حامية، حتى يتبين للعالم فجر الديمقراطيّة الغربية الكاذب .

ألم يكن من الضروري أن تتجلى في الجلسات عراقيّة تنوب عن ملايين الأرامل في بلد آلاف السنين من الحضارة، وبيدها صورة عملاقة للفتاة الشهيدة عبير؟ بلى، حتى يدرك الغرب سقوط القيم، وانهيار روح الحضارة، وأفول شمس الإنسانية في دياره، ولكي يتذكر مقولة أوسوالد شبنغلر في تدهور الغرب (أو أفوله): تولد الثقافة عندما تصحو روح عظيمة، ما يعني بالتالي أن الثقافة والحضارة تتواريان حين تغرب تلك الروح، فلا يبقى غير الأنياب والمخالب تعمل بقانون الغاب .

كان من الضروري أن تمثل فلسطين سبعٌ من بنات حوّاء، الأولى في عامها الأوّل، الثانية في العاشرة، الثالثة في العشرين والأخيرة في الستين، لإتحاف أقوياء العالم بعظمة إيمانهم بتحرير المرأة . فما وعود الحريّة والديمقراطية إلا طُعم يُخفي صنّارة فولاذية، وبحر العالم الجنوبي مفعم بالأسماك، في السودان والصومال وأفغانستان وهلمّ صيدا، خصوصاً على طريقة مذابح الحيتان على أيدي الإسكندنافيين .

ماذا تعني التحوّلات الجيوسياسيّة التي جعلها المؤتمر النسوي شعاراً له؟ أخشى أن يسفر عن قرارات سياسيّة تشمل جغرافيا بلدان يدركها الفطن اللبيب، تستلذها مراكز القوى الشماليّة، فتضعها في مقلاة الأمم المتحدة، ليقليها شيف مجلس الأمن على نار الفصل السابع اللي عنده بطحة يحاسس عليها .

كل شيء ممكن وغير مستبعد، ففي زلزال هايتي هبطت الدبابات من السماء لإنقاذ الناس، ويبدو أن المساكين استبشروا خيراً فجاءتهم الكوليرا، ما يذكّرني بطرفة تقول: كان أحدهم تائهاً في الصحراء بعد ريح عاتية ذات عجاج رهيب، وكان الجوّ حارّاً والرجل منهكاً، فجأة لاح له في الأفق فارس على جواد مقبلاً نحوه، فتنفّس الصعداء، حين وصل الفارس اطمأن البائس إلى أنه سينجو من الهلاك . في تلك الأثناء وضعت الفرس مولودها، فأمر الفارس، شاهراً سيفه، الرجل بحمل المولود على عاتقه . حظ فظ .

ما المستغرب إذاً في غزو البلدان بذريعة تحرير المرأة؟ فمن الحكمة سدّ الذرائع، على رأي الخيّام فليس في طبع الليالي الأمان . قد تصرخ إحداهن في أيّ بلد: وا أوباماه، وا ساركوزياه، وا ناتواه، وإذ بمجلس الأمن ينتحل صفة المعتصم .

ما يجب وضعه نصب العين في العالم العربي، هو أن الحركات الاستفزازية التي تعرّض لها العرب والمسلمون في دول الغرب، إنما هي حلقات مترابطة، وليست أموراً فردية منفصلة . وإذا أضفنا إليها ما حدث ويحدث في البلدان التي سقطت وكثرت سكاكينها، أدركنا أن الخطة محبوكة من الألف إلى الياء، واللازمة المتكررة في القفلة هي:

وليس يصحّ في الأفهام شيءٌ

إذا احتاج النهار إلى دليلِ

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"