التطرف سلاح فتاك في كل العصور

03:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي

يؤكد العالم بأسره أن التطرف سلاح فتّاك للقضاء على المجتمعات، وهو سلاح مدمر تم استخدامه عبر العصور، وازداد خطره، وتعددت أنواعه في العصر الحديث، وتنوعت أسبابه وعوامله أيضاً. وهذه الأسباب تختلف باختلاف نوع التطرف، وباختلاف محركاته الدينية والفكرية والفلسفية والسياسية والاقتصادية الفردية والجماعية، والتي تؤمن بالعنف والإرهاب طريقاً لتنفيذ الأغراض وتحقيق الأطماع، والمنظمات الإرهابية الحديثة في العالم كثيرة جداً، تختلف خلفياتها، فمنها بخلفيات دينية مثل الإرهاب ال«داعشي» والإرهاب الصهيوني والإرهاب البوذي ضد مسلمي الروهينجا، ومنها بخلفيات فكرية واجتماعية ككثير من المنظمات اليسارية، ومنها بخلفيات سياسية انفصالية مثل منظمة نمور التاميل السريلانكية، ومنها بخلفيات وأطماع تجارية إجرامية مثل عصابات المافيا والمرتزقة، وكلها على اختلافها أسهمت في زرع التعصب، ونشر الكراهية وغرس العنف والاعتداء والإجرام في المجتمعات.
إن الحروب من العوامل المساعدة على ظهور الإرهاب، فهي تفرز الخراب والدمار والهزائم المريرة، وتغذي روح الانتقام. وتأثيراتها السلبية كبيرة، وخاصة على فئة الشباب، فقد اتجه كثير من شباب الألمان نحو الإرهاب بعد الحرب العالمية الثانية، أو هرولوا نحو الماركسية للخروج من مشاكلهم، ورأى هؤلاء الشباب الألمان النتائج المدمرة للحرب على بلادهم، وما أحدثته فيها من خراب ودمار وفقر وتقسيم وذل وإهانة، وجعلتهم في حالة من الغضب والمرارة، وكان من أشهر المجموعات الإرهابية التي تكونت في ألمانيا الغربية في السبعينات جماعة الجيش الأحمر اليسارية. هكذا هي الحروب، لا تصنع إلا خراباً وإرهاباً.
وكذلك الإيديولوجيات العابرة للحدود، والتي تهدف إلى تغيير العالم بالعنف والإرهاب، هي من أسباب ظهور الإرهاب في العالم، وكان من أبرز حملة هذه الإيديولوجيات في القرن الماضي، تيار اليسار المتطرف الذي ظهر في الستينات، وظهرت على أثره منظمات يسارية إرهابية دولية عديدة، سعت لفرض أجنداتها على العالم بلغة الحديد والنار، ومن أمثلتها الجيش الأحمر الياباني، الذي تأسس في اليابان في مطلع السبعينات، وكان من أهدافه الإطاحة بالحكومة اليابانية لبدء ثورة عالمية، كما تكونت في إيطاليا منظمة الألوية الحمراء اليسارية، وفي فرنسا، منظمة العمل المباشر، والتي ظهرت كأقوى مجموعة مسلحة في فرنسا، متأثرة بأفكار تشي غيفارا وغيره، وعقدت هذه المنظمات تحالفات فيما بينها لتحقيق مآربها، إلى غير ذلك من المنظمات اليسارية التي عانت منها دول أوروبا والعالم.
وكذلك النزعات الطائفية والتطرف الديني من محركات الإرهاب ومسبباته، فلقد أفسد ال«دواعش» في الأرض، حتى أنهم غيّروا نظام التعليم في المناطق المسيطرين عليها، ففي شرق الموصل وبالضبط في المدرسة الإربجية الابتدائية لم تجد قوات مكافحة الإرهاب العراقية بعد تطهيره من «الدواعش» مسلحين أو مواد متفجرة، بل فوجئوا بمجرد دخولهم إلى المدرسة أن «الدواعش» غيّروا نظام التعليم في العراق، وحولوا المناهج التعليمية من مناهج تصدر العلم والمعرفة إلى مناهج تكفيرية تغرس في عقول الأطفال التطرف والإرهاب وقتل الأبرياء.
ولأن الثروات محل أطماع دول ومنظمات، فإن من وسائلها لنهب هذه الثروات، إشعال حروب الفتنة المذهبية والطائفية بين أفراد المجتمع، والعرق الواحد، لتستطيع بذلك نهب خيرات الشعب من النفط والغاز الطبيعي، وبيع الأسلحة وغيرها. ونشر التطرف يخدم مصالح هذه القوى التي تسعى للسيطرة والبحث عن موازين القوى والمال والثراء، كما أن البحث عن الثراء الفاحش خلق في العالم منظمات المرتزقة والمافيا، والتي تسعى لجني المال بالتجارة المحرمة كالمخدرات والسلاح والاتجار بالبشر، وتتخذ العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق مآربها.
ومن أسباب التطرف كذلك التعصب للرأي وتقديس الفكر والعرقية، فالنازي هتلر يضرب لنا مثالاً على التطرف والكراهية، إذ كان صاحب فكر متطرف منحرف، وهو مؤسس الحزب النازي (حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني)، وكان نظام الحزب ديكتاتورياً واستبدادياً مطلقاً، وكان يحكمه هتلر بمسمى دولة الزعيم، وهو من أثار الحرب العالمية الثانية، والذي قُدّر إجمالي عدد ضحاياها بأكثر من 60 مليون ضحية، وارتكب النازيون جرائم إبادة كثيرة، كان أبشعها حرق المرضى والمعاقين وقصار القامة واستخدامهم في التجارب الطبية، واليوم مجرد الدعاية لهذه الأفكار أو نشر الشعارات النازية واستخدامها في ألمانيا والنمسا، وبعض الدول الأوروبية، يعتبر خرقاً للقانون، وتترتب عليه عقوبات قضائية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"