الجاليات العربية قوة سياسية معطلة

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

منذ هزيمة حزيران ،1967 بل قبل ذلك بكثير، منذ أن انتقلت عملية المشروع الصهيوني إلى المحافل الدولية، تمهيداً لتأسيس إسرائيل أولاً، ثم دعماً لها ولسياستها التوسعية بعد ذلك، وحديث إيجاد لوبيات عربية في الدول الأمريكية والأوروبية المؤثرة، لا يتوقف باتجاه فكرة مركزية هي عدم ترك اللوبيات اليهودية تعمل وحدها، وتمارس وحدها التأثير في الدوائر الكبرى في العالم لمصلحة إسرائيل .

هذا الحديث تجدد مؤخراً، بعد جولة الانتخابات النيابية في بريطانيا .

ومع أن النتيجة السياسية الأبرز لهذا الحدث، كانت انتهاء عصر حكم حزب العمال (بلير وبراون)، وولادة عصر تحالف المحافظين والديمقراطيين الأحرار، فقد لفت نظرنا نحن العرب، قبل إجراء حسابات التبدل الحكومي البريطاني، واحتمالات الأرباح أو الخسائر العربية في إطاره، وجود نواب عرب لدى الحزبين الفائز (المحافظين) والخاسر (العمال) . وهو خبر لا ينبئنا بحالة جديدة، لكنه جاء يذكرنا بحالة قديمة، تذكرنا بدورها أن في بعض المواقع الحزبية الكبرى في الولايات المتحدة، ناشطين سياسيين من أصل عربي، لدى الحزبين المتعاقبين على الحكم في واشنطن: الجمهوريين والديمقراطيين . بل إن هناك، ومنذ مدة غير قصيرة، نواباً وشيوخاً من أصل عربي لدى الحزبين . ويبدو أن هذه المسألة أصبحت تتمدد نحو دول أوروبية كبرى مثل فرنسا . وهذا واقع يعطينا الحق، على الأقل بإعادة طرح التساؤل عن مدى إمكان تحويل هذه المواقع السياسية التي يحتلها بعض أفراد الجاليات العربية في بلاد مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ناهيك عن الجاليات العربية الكثيفة في شتى دول أمريكا الجنوبية، حيث تتكاثر أعداد من النواب والوزراء ورؤساء مجالس النواب، وأحياناً رؤساء دول، من أصول عربية . غير أن البساطة في طرح مثل هذا السؤال، لا تنعكس بالضرورة، وبالدرجة نفسها من البساطة على الجواب، خاصة إذا وضعنا في المقارنة ديناميات عمل اللوبيات الصهيونية، واحتمال إيجاد ديناميات عمل للجاليات العربية .

ذلك أن اللوبي في الأساس، أي لوبي، هو جهاز للعلاقات العامة يعمل بين دولة أصلية ينتمي إليها، ودولة كبرى (أو فعالة) يقيم فيها . لذلك، فإنه لا يكفي لقياس قدرة أي جماعة ضغط (لوبي) على الإنجاز، بمدى الثروة أو الموقع الاجتماعي الذي تتمتع به في الدولة الخارجية، على أهمية هذا القياس، لكن الأهم من ذلك عناصر نجاح القضية الوطنية التي تدافع عنها جماعة الضغط هذه .

فإذا كانت فلسطين منذ قرن من الزمن قضية العرب الكبرى والمركزية، وإذا كانت السلطة الفلسطينية نفسها، توافق منذ عقود على الدوران في حلقات مفرغة من المفاوضات، التي تحولت إلى ظاهرة متقدمة للخداع والكذب والنفاق في السياسة الدولية، والاحتماء وراء شعار دبلوماسي ذي شكل حضاري، ثم ارتكاب أفظع مخالفات القانون الدولي، تحت يافطة هذا الشعار . ثم إذا كانت جامعة الدول العربية، المؤسسة التي يفترض أنها تعبر عن خلاصة الإرادة السياسية للعرب على مختلف دولهم ومعسكراتهم وميولهم، لم يعد لديها، منذ عقود، ما تقدمه لقضية فلسطين، سوى استمراء التصرف الاستسلامي لرأس السلطة الفلسطينية، وعدم الاكتفاء بذلك، بل دفع هذه السلطة إلى مزيد من الاستسلام للمفاوضات الوهمية .

إذا كان هذا هو حال قضية العرب المركزية والكبرى، وهذه تصرفات العرب التي تتخلى عن أبسط مستلزمات التمسك العملي بالدفاع عن أساسيات القضية، فما عسى يستطيع أن يفعل عضو عربي في حزب العمال البريطاني، أو آخر في حزب المحافظين . أو ماذا تتوقع من عرب الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي في أمريكا الشمالية، أو عرب مجالس النواب ومجالس الوزراء في دول أمريكا الجنوبية؟

أغلب الظن أن مشاعر من الإحباط واليأس تتفشى في أوساط هذه الجاليات العربية التي يمكن أن تتحول إلى جماعات ضغط سياسي في المغتربات، تماماً كما تنتشر مشاعر اليأس والإحباط هذه في المجتمعات العربية في الوطن العربي الأم، من دون وجود بصيص أمل حتى الآن باحتمال قريب لفرض تغيير جذري في السلوك على الحكومات العربية، إزاء قضايا المصير .

لا شك أن المرجع الأساس لقوة اللوبي الصهيوني في الدول الكبرى، يعود أولاً إلى أن مشروع إنشاء إسرائيل ليس مشروعاً صهيونياً صرفاً، لكنه ثمرة زواج بين العقيدة الصهيونية والمطامع الاستعمارية للغرب في المنطقة العربية . لكن قوة هذا اللوبي تعود ثانياً إلى تمسك الإدارة الإسرائيلية تمسكاً شديداً بقضية إسرائيل، على اختلاف عهود تنقل الحكم منذ العام ،1948 بين أحزاب اليسار واليمين، فالعقيدة الصهيونية هي الموجه الدائم، والأداء العصري الفعال هو أسلوب العمل الدائم .

وحتى إشعار آخر، ستبقى الجاليات العربية في الخارج، قوة سياسية معطلة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"