كورونا.. الحرب العالمية الأقوى

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
الياس سحّاب

القرن ال20 المنصرم، افتتح حسب التقويم الكرونولوجي في عام 1900؛ لكن افتتاحه التاريخي الحقيقي تأجل حتى نهاية العقد الثاني، أي في مطلع العشرينات؛ بعد أن انتهت الأحداث العسكرية للحرب العالمية الأولى في عام 1918، وتأجلت الأحداث السياسية الكبرى الناجمة عن تلك الحرب العالمية الأولى، حتى مطلع عشرينات القرن الماضي.
واليوم، فإن البداية المؤخرة للقرن العشرين حتى اكتمال الحرب العالمية الأولى، تبدو وكأنها تكرر نفسها مع مطلع القرن الجديد الحادي والعشرين، بنشوب ما يمكن تسميته بالحرب العالمية الثالثة، باجتياح وباء «كورونا» القاتل كل الكرة الأرضية فيما يمكن تسميته الحرب العالمية الثالثة. التي جاءت متفوقة في ويلاتها على الحربين العالميتين ( الأولى والثانية)؛ وذلك إذا قارنا المساحة التي غطتها كل حرب من تلك الحروب العالمية ال3؛ حيث اكتفت كل حرب من الحربين الأولى والثانية على فظاعتهما، باجتياح بقع محدودة من الكرة الارضية، أما الحرب العالمية الثالثة الحالية، فقد اجتاحت كل بلاد القارات الخمس للكرة الأرضية، في حرب اختفت فيها شخصية العدو بشكل فيروس قاتل، عجزت حتى الآن كل مختبرات العلوم المتقدمة في العالم، عن إيجاد دواء قاتل لهذا العدو الفتاك.
عندما انتهت الحرب العالمية الأولى بكل فظاعاتها العسكرية، كان غريباً أن يترافق ذلك، مع زحف وباء الإنفلونزا الإسبانية، التي وصل عدد ضحاياها إلى خسمين مليون إنسان، وكأنها جاءت لتكمل الفظاعات العسكرية للحرب.
وبعد انحسار موجة الحرب العسكرية والوباء الجرثومي، انطلقت في عقد العشرينات موجة ثقافية عالمية، قاد فيها فلاسفة ذلك الزمن حملة أخلاقية وثقافية شهيرة على وصف التدهور الأخلاقي الذي انحدرت إليه البشرية، في الحرب العالمية الاولى؛ حيث أثبتت الإنسانية أنها تقدمت كثيراً في المجالات العلمية؛ لكنها تراجعت إلى الدرك الأسفل في مجال الأخلاق والإنسانية، حتى وصلت إلى درك وحشي من التخلف الإنساني والأخلاقي.
لكن هذه الصحوة الفلسفية الأخلاقية ما لبثت أن ذهبت أدراج الرياح؛ لأن البشرية أنتجت في منتصف القرن العشرين حربها العالمية الثانية، التي لم تكن أقل بشاعة من الحرب العالمية الأولى، بدليل أنها انتهت بالقاء قنبلتين ذريتين على مدينتين يابانيتين، وبسرقة فلسطين وطرد شعبها؛ لإقامة دولة «اسرائيل».
المشهد السائد عالمياً في هذه الأيام يعطينا حق الاستنتاج بأن بداية القرن الجديد الحادي والعشرين، تكاد تكون نسخة مكررة عن بداية القرن العشرين.
فكما تأخرت ولادة القرن العشرين التاريخية لعشرين عاماً بانتظار الحرب العالمية الأولى، فإن البداية التاريخية الحقيقية للقرن الجديد، أي للحادي والعشرين، قد تأخرت عشرين عاماً بالتمام والكمال، بانتظار انفجار «الحرب» العالمية الثالثة، على شكل وباء سيطر هذه المرة على كامل الكتلة البشرية، في خمس قارات من الكرة الأرضية.
ومع أن العدو هذه المرة خفي، لا يحمل إلا اسم ال«كورونا»، فإنه جاء يكشف كل الحقائق التي يعبر عنها الانهيار الخلقي، الذي أوصل إليه البشر التقدم العلمي الهائل، وصناعة الأسلحة، وصناعة الجراثيم، وصناعة سيطرة الدول الغنية على الدول الفقيرة، حتى أن الوباء هجم يضرب بالدرجة الأعلى من العنف، الدول الأكثر تقدماً، في الصين وأوروبا الغربية بالذات، ثم الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذه الطبيعة الجماعية لمواقع «هجوم» الحرب العالمية الثالثة، قد بدأت في الحقيقة، وبعد انقضاء الشهرين الأولين لتلك الحرب العجيبة الغريبة، فها هي ترسم لنا الآن خريطة العالم الجديد التي جاء وباء ال«كورونا» يفرضها على حركة التاريخ، في تطور البشرية. فالنتيجة الأولى التي أنجزها الفصل الأول من هذه الحرب، قد أدت إلى تحول الشهرين الأولين إلى بداية هجوم الوباء، وفرض إجازة إجبارية على كل البشرية، أدت إلى تحسن هائل في البيئة المحيطة بالكرة الأرضية، والتي كاد يدمرها التقدم الوحشي للبشرية، حتى أنهم في الهند، شاهدوا لأول مرة منذ مئة وعشرين عاماً، قمة الهملايا بالعين المجردة، بعد انقشاع موجة التلوث.
لقد جاء الوباء يفرض على البشرية وعياً اضطرارياً لفساد أسلوب الحياة الذي انحدرت إليه البشرية؛ وذلك ليس على صعيد العلاقة بطبيعة الكرة الأرضية فقط؛ بل بالإدارة السياسية المتوحشة التي انحدرت إليها السياسة طوال القرن العشرين.
في الأفق يبدو أمامنا عصر ما بعد انحسار وباء «كورونا»، عن عالم تنتهي فيه أحادية الزعامة الأحادية للنظام الدولي المسجلة باسم الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك يبدو أمامنا تضعضع، إن لم يكن تفكك وحدة الاتحاد الأوروبي، بعد أن وقعت إيطاليا الأوروبية في قعر الوباء، فتخلت عنها دول الاتحاد، ولم تجد أمامها مسعفاً سوى الصين وروسيا.
يبدو باختصار أن التغيرات التي ستجلبها الحرب العالمية الثالثة، حرب «كورونا»، ستكون أعمق بكثير من التغيرات التي أتت بها الحربان العالميتان الأولى والثانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"