الجزائر وعهد تبون

02:57 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

أصبح للجزائر رئيس ثامن منذ الاستقلال هو عبد المجيد تبون، الذي حسم السباق من الجولة الأولى، وفاز بنسبة 58 في المئة من الأصوات، وهي نتيجة منطقية و«غير مستفزة» وتزامنت مع تظاهر عشرات الآلاف في الشوارع رافضين للانتخابات ونتيجتها، لكن الرئيس المنتخب استطاع أن يوجه رسائل للطمأنة، متعهداً بالحوار مع المعارضين وتغيير الدستور والأنظمة السائدة وصولاً إلى تأسيس دولة القانون والعدالة ومحاربة الفساد.
لم تكن الانتخابات مرضية للجميع، وهذا أمر طبيعي في بلد يعيش منذ تسعة أشهر حراكاً شعبياً واسعاً ينشد التغيير ومحاسبة وجوه النظام السابق ورموزه، وهي مطالب مشروعة لا يرفضها أحد. وكان المترشحون الخمسة للرئاسة، ومن بينهم تبون نفسه، تعهدوا بتحقيقها والعمل على فتح آفاق جديدة. وقد تبدو المهمة صعبة وطريقها وعر، ولكن ليس هناك من بديل يمكن أن يحقق التغيير المنشود. ورغم كل الاعتراضات والانتقادات الموجهة للعملية الانتخابية برمتها، تظل محطة مفصلية يمكن أن تخرج الجزائر من كوابيس الراهن وتعقيداته. ومن خلال ردود الفعل الداخلية، التي أعقبت الاقتراع الرئاسي، يمكن القول إن هناك تسليماً تدريجياً بالنتيجة، بالنظر إلى أن الشخصية الفائزة ليست من قلب النظام السابق، ولكنها من أعماق الدولة، وتعرف المطلوب في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بتطبيع الوضع السياسي، وتنزيه المؤسسات الدستورية عن النزعات الشخصية والانتهازية، التي كانت من أسباب تفجر الحراك الشعبي في 22 فبراير وانتهى باستقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
أعادت الانتخابات الرئاسية في الجزائر خلط أوراق القوى السياسية التقليدية، بعدما وجهت رسالة إلى الأحزاب الكبرى ومرشحيها المباشرين، ومنها «جبهة التحرير الوطني»، حزب الرئيس بوتفليقة وأغلب الرؤساء الذين سبقوه، وكذلك «التجمع الوطني الديمقراطي». وللمرة الأولى تبقى مثل هذه الأحزاب بعيدة عن صنع حدث سياسي بحجم انتخابات رئاسية، وهي نتيجة أخرى يمكن أن ترضي رغبة الشارع في رؤية الأحزاب القديمة، بعيدة عن مراكز صنع القرار وواجهات السلطة، كما يمكن أن تمنح تبون المزيد من الثقة، وتجعل شرائح من الطيف السياسي الجزائري تطمئن إليه. فقد تعهد الرجل بأن نهجه في الحكم يتأسس على الحوار، ولا شيء غيره، مع المعارضة والحراك الشعبي، رافعاً لاءات ضد التهميش والإقصاء والانتقام والتسامح مع المفسدين. كما تعهد بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ممن سجنوا ظلماً وضمن معارك تصفية الحسابات التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة.
الجزائر بلد حيوي واستراتيجي على كل المستويات، واستقراره مكسب لشعبه أولاً ولجواره ولعموم العالم العربي. وعهد تبون الذي بدأ نظرياً، في انتظار تسلم المقاليد رسمياً، يمكن أن يحقق الفارق ويعيد للجزائريين الأمل في المستقبل، دون التنكر لتاريخ طويل من التضحيات من أجل السيادة والكرامة الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"