الحريديون وتأزيم الوضع السياسي

02:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

أظهرت الانتخابات «الإسرائيلية» مدى قوة الأحزاب الحريدية أو المتدينة التي كانت مواقفها موضع خلاف بين الوسط واليمين، فحزب الوسط وخاصة يائير لبيد الرجل الثاني في الحزب يرفض الجلوس في حكومة مع الحزبين الحريديين وهما يهوديت هتوراة وشاس، كما يرفض اليميني المتطرف أفيجدور ليبرمان ذلك أيضاً.
وكان الموقف الذي اتخذه ليبرمان بالانسحاب من حكومة نتنياهو مطلع هذا العام، السبب في إجراء جولتي انتخابات. وينبع الخلاف من أن الحزبين المتدينين يريدان تطبيق الشريعة اليهودية، وعدم التجنيد في الجيش والصرف على معاهدهما الدينية، ومنع فتح المتاجر وتسيير حركة المواصلات في أيام السبت. ويشكل هؤلاء حالياً قرابة مليون شخص وهم في ازدياد بنسبة أربعة بالمئة سنوياً؛ نظراً لكثرة إنجابهم بعكس اليهود الآخرين. وهناك إلى جانب هؤلاء، متدينون لكنهم ينخرطون في الجيش لأسباب استيطانية ولقتل الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وأغلبهم قدموا من الولايات المتحدة وروسيا. تبقى هناك شريحة يبلغ عدد أفرادها بضعة آلاف في الكيان الاحتلالي، لكنها لا تشارك في الحياة العامة وتعيش في أحياء خاصة بها، وتعادي الحركة الصهيونية لأنها خرجت عن نواميس الدين اليهودي التي تحظر الوصول إلى منطقة المسجد الأقصى إلا بعد ظهور المسيح، ولا يشارك هؤلاء في الإدارة «الإسرائيلية» أو مؤسساتها، وفي أي نشاط سياسي «إسرائيلي» ويؤيدون قيام فلسطينية. والمرجعية الدينية لهذه التيارات موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا؛ لأن الحركات الدينية اليهودية نشأت بداية في شرقي أوروبا. وقد أحدث وصول أحد المرجعيات المعادية للصهيونية يكتوئل يهودا تايتلبوم الأسبوع الماضي من الولايات المتحدة ضجة في دولة الاحتلال، لقيامه بتوزيع أموال على أتباعه (25 مليون دولار)؛ لأنهم لا يعترفون ب«إسرائيل» ويرفضون التعامل معها وتلقي مخصصات منها.
وأثارت زيارة تايتلبوم ضجة واسعة في مواقع التواصل «الإسرائيلية»، وعبّر «الإسرائيليون» عن معارضتهم للسماح بدخوله، وعلى أن يتم التعامل معه كناشط في «حركة مقاطعة «إسرائيل».
ينقسم اليهود المتدينون إلى ثلاثة تيارات، أولها الحسيديم وهي حركة تصوف جذبت أتباعها في القرن التاسع عشر في أوروبا الشرقية من بقايا مملكة قبائل الخزر اليهودية التي انتشرت في شرق أوروبا، والحسيديون لا يشكلون نسبة كبيرة، لكنهم يحافظون على نمط حياتي منعزل وينقبون نساءهم بعباءة سوداء تغطي كامل الجسد والوجه، ويعاملون النساء معاملة سيئة ويرفضون الاختلاط بالمطلق.
وهناك اليهود الحريديون وهم معارضون للحسيديين، ويركزون على الدراسات الدينية بدلاً من العلوم الحياتية التي لا يدرسونها في المدارس.
وهناك الحريديون من اليهود السفارديم، وهم ظاهرة حديثة نسبياً نشأت قبل حوالي جيل أو اثنين، وهم يهود لم تأت عائلاتهم إلى فلسطين من أوروبا؛ بل من بلدان عربية مختلفة في شمال إفريقيا أو آسيا، والذين انجذبوا إلى جماعة الحريديم الليتوانية وتبنّوا هوية وممارسات حريدية أوروبية. ويطلق كثيرون على أنفسهم اسم «السفراديم» أو «الإسبانييم»؛ لأن مجتمعاتهم تميل إلى تبني الثقافة الإسبانية، وغالباً ما كانت تحت قيادة وتأثير رجال الدين اليهود الإسبان الذين هاجروا إلى البلدان العربية بعد طرد اليهود والعرب من إسبانيا في العصور الوسطى.
يضاف إلى هذه التيارات، التيار الحديث وهو الإصلاحي العلماني الذي نشأ في الولايات المتحدة وله امتداد داخل الاحتلال، لكنه في صراع مع المتدينين؛ لأنه يؤمن بالاختلاط والزواج من غير اليهود، وتنصيب النساء كرجال دين مثلاً.
عموماً، فإن أغلبية اليهود حالياً هم من العلمانيين، لكنهم يستخدمون الدين كقومية لتحفيز الدوافع الاستعمارية الاستيطانية ومعاداة العرب، وهذا لا ينفي الصراع الداخلي بينهم. ولا تخفي المؤسسة الحاكمة في «إسرائيل» قلقها من تنامي التيار الديني؛ لأن هذا التيار غير منتج ويعيش على مخصصات حكومية ولا يخدم في قوات الاحتلال، بمعنى آخر، فإن نسبة قد تصل إلى عشرين بالمئة من اليهود يعيشون عبئاً على البقية، ولهذا برزت الأزمة الحكومية الحالية لرفض أحزاب الوسط واليسار وبعض اليمين مثل حزب ليبرمان، إعفاء هؤلاء من الخدمة العسكرية وفرضهم عاداتهم الدينية بالعطلة التامة أيام السبت، وعدم الإنتاج الاقتصادي، إلا إنتاج الأطفال بكثرة، ما يهدد بتحويل نسبة ثلث اليهود خلال سنوات إلى شريحة عاطلة عن العمل عديمة الإنتاج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"