الحلبة الآسيوية

05:26 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد الهجمة الإرهابية التي شهدتها السفارة الهندية في كابول، والتي خلفت 41 قتيلاً وتركت أصابع الاتهام موجهة نحو جهاز الاستخبارات الباكستاني، تذكر العالم من جديد تلك الأسباب التي جعلت شبه القارة الهندية تتفوق على الشرق الأوسط باعتبارها نقطة الاشتعال الأولى على مستوى العالم.

ولقد أوضح المرشحان الرئاسيان الأمريكيان، باراك أوباما وجون ماكين، أنهما ينتظران من الحكومة الباكستانية اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة الجماعات المتمردة، وأن أياً منهما سوف يكون مستعداً في حالة انتخابه للتفويض بشن ضربات عسكرية داخل باكستان. إلا أن التعامل مع المشكلات التي تبتلي المنطقة على الوجه السليم يتطلب توجهاً أوروبياً أطلنطياً أكثر شمولاً.

لقد أصبحت قصة الفشل الغربي في أفغانستان الآن معتادة وذائعة، وتتجلى علامات هذا الفشل بوضوح وعلى نحو مؤلم وشبه أسبوعي في أعداد الضحايا من جنود حلف شمال الأطلنطي المحمولين إلى أوطانهم، إلا أن القصة نفسها تتكرر عبر الحدود مع باكستان، وتترتب عليها عواقب وخيمة لن يسلم منها أي من البلدين.

لقد تحول التفاؤل الذي أعقب الانتخابات الباكستانية الأخيرة إلى همٍ وقلق بعد ما بدا الأمر كأن المفاوضات التي تجريها الحكومة مع المتمردين جعلت الملاذ الذي يحتمي به الإرهابيون أكثر أماناً وتسببت في تكثيف الهجمات ضد قوات حلف شمال الأطلنطي في أفغانستان. إن الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الباكستانية متعاطفة مع عقيدة أصولية، والجماعات العسكرية المتمردة التابعة لتنظيم القاعدة تعمل بحرية على أرض باكستان، ومع التناحر الداخلي بين أعضاء الحكومة بات من الصعب ترسيخ السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية.

وفي كل الأحوال، نستطيع أن نقول إن قدرة المؤسسة العسكرية في التعامل مع التهديد الحالي، ناهيك عن مواجهة التمرد واسع النطاق داخل البلاد، باتت محل شك. ويصدق القول نفسه على قدرة الغرب على تعزيز ودعم قوات الأمن الباكستانية. ونتيجة لهذا، أصبحت احتمالات خسارة السيطرة على أجزاء من باكستان لمصلحة تحالف الجماعات العسكرية المتمردة، الذي يكتسب المزيد من القدرة مع الوقت، تشكل تهديداً واقعياً خطيراً في الأمد القريب.

إذا كانت السياسة الأمريكية قد أثبتت فشلها في التعامل مع هذه المشكلة المتفاقمة، فقد ركزت السياسة الأوروبية على تقديم المساعدة الفنية، حيث قدم الاتحاد الأوروبي 125 مليون يورو في هيئة مساعدات أثناء الفترة من العام 2002 إلى العام 2006. فضلاً عن ذلك، فإن أوروبا تُعَد الشريك التجاري الأكبر لباكستان، حيث تستقبل 4.27% من إجمالي الصادرات الباكستانية بينما ترسل إلى باكستان 17% من إجمالي وارداتها. وفي العام 2005 وحده بلغ إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من باكستان 4.3 مليار دولار.

على الرغم من ذلك، بات من الصعب أن نتهرب من استنتاج مفاده أن الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في باكستان يحمل علامات دولة ما قبل ماستريخت والتي لم يعد الاتحاد راغباً في اتخاذ صفاتها: تكنوقراطية عازفة عن الانخراط في السياسة، ومهمشة من جانب الولايات المتحدة.

ولكن لابد أن يتغير هذا، إذ ان الولايات المتحدة، حتى بعد قدوم الرئيس الجديد، لن تتمكن من إحراز النجاح في المنطقة من دون الالتحام مع أوروبا في جبهة موحدة. وليس لأوروبا أن تأمل في تحقيق غاياتها من خلال البرامج الفنية وحدها.

إن تأسيس هيكل ناجح للتعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا يتطلب الشروع في العمل على الفور. والحقيقة أن العديد من التقارير التي ستؤثر في حملتي ماكين وأوباما يجري إعدادها الآن في واشنطن، إلا أن أياً من هذه الجهود لن يكون كافياً لرسم الطريق إلى الأمام على مسار التعاون بين ضفتي الأطلنطي. فضلاً عن ذلك فإن الأمر لا يخلو من خطر تكرار النمط التقليدي من التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا: حيث تتولى الولايات المتحدة وضع السياسات بينما تلعب أوروبا دور الممول المتردد العازف عن الانخراط في السياسة.

إن التعاون الحقيقي بين ضفتي الأطلنطي يتطلب العمل على توحيد الجهود من أجل إيجاد الحلول، وتمكين زعماء أوروبا من امتلاك خياراتهم السياسية. وإلا فإن الحكومات الأوروبية سوف تجد صعوبة جمة في تفسير حاجتها إلى تصعيد جهودها في المنطقة، كما ستستمر البرامج الفنية التي تقدمها المفوضية الأوروبية في رسم سياسة الاتحاد الأوروبي.

إن بناء الوحدة الضرورية والإستراتيجية السياسية السليمة يتطلب تشكيل لجنة أوروبية على غرار لجنة باركر هاميلتون. ولسوف يكون بوسع لجنة كهذه، بالتعاون مع البلدان الأعضاء الكبرى، مراجعة القضايا الرئيسية في المنطقة، وزيارة كل البلدان والجهات المعنية، والخروج بمجموعة من التوصيات الخاصة بتأسيس توجه عبر أطلنطي جديد يبدأ العمل به في وقت مبكر من العام ،2009 بعدما يتولى رئيس الولايات المتحدة الجديد منصبه.

ومن أفضل من نيكولا ساركوزي لإطلاق هذه المهمة؟ لقد لعب الرئيس الفرنسي بالفعل دوراً حاسماً في مد الجسور ورأب الصدع بين الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتصل بالمهمة الأفغانية، وبعد مؤتمر المانحين الناجح استفاد أيضاً من الرئاسة الدورية الفرنسية للاتحاد الأوروبي.

ينبغي لهذه اللجنة في الوضع الأمثل لها أن تكون مستقلة، ولكن لابد أيضاً من إقرارها من قِبَل الحكومات الفرنسية والألمانية والبريطانية ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، فضلاً عن النائبين الأمريكيين ماكين وأوباما، ولو كان ذلك في هيئة موافقة صامتة.

إن الجميع يدركون المخاطر التي يفرضها عدم الاستقرار عند الحدود الأفغانية الباكستانية، سواء بالنسبة لباكستان أو المنطقة بالكامل. في شهر يوليو/ تموز اشتبكت القوات الباكستانية والهندية في معركة تبادل فيها الطرفان إطلاق النار لمدة 12 ساعة عبر منطقة حدودية متنازع عليها. ولكن حتى الآن لم يُبذَل إلا أقل القليل من الجهد لبناء ذلك النوع من الإجماع بين ضفتي الأطلنطي بشأن الخيارات السياسية اللازمة لترسيخ التعاون بين رئيس الولايات المتحدة القادم وأوروبا.

ولكي يزداد الطين بلة فإن الرفض الايرلندي لمعاهدة لشبونة يهدد بدفع القضية إلى مؤخرة قائمة الأولويات. ولكن لا ينبغي لزعماء أوروبا أن يتغافلوا عن مشكلات العالم الواقعي. والحقيقة أن صياغة سياسة أوروبية أطلنطية جديدة بشأن التعامل مع أفغانستان وباكستان تشكل مطلباً واقعياً إلى أقصى الحدود.

دانييل كورسكي كبير زملاء التخطيط والسياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والنص ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"