الخروج من القابلية للاستعمار والاستبداد

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

في أيامنا التي نعيش الآن، في الأقطار العربية التي شملتها ثورات وحراكات الربيع العربي، أصبحت أخطاء وخطايا أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد الثورات التي نجحت في إسقاط الأنظمة الاستبدادية الفاسدة السابقة وأخطاء وخطايا القوى السياسية التي لاتزال تناضل ضدّ الاستبداد والفساد، أصبحت تلك الأخطاء والخطايا شماعة جديدة يرفعها كل من هبّ ودبّ من قادة وأعوان الثورات المضادة في وجه مسيرة وأهداف الربيع العربي .

في الصحف نقرأ وعلى شاشات التلفزيونات نشاهد ونسمع نفس صرخات وأقوال الحق التي يراد بها الباطل، باطل الرجوع إلى الوراء، إلى النكوص نحو الفساد والاستبداد والظلم، إلى اللاديمقراطية . على الشماعة الجديدة يعلن هؤلاء أن الاستقرار وقبضة الأمن الحديدية أهم وأولى من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والنهوض من ركام التخلف التاريخي .

على الشماعة الجديدة يكتب هؤلاء، من اللاطمين المأجورين وذارفي دموع التماسيح ورافعي ألوية الزبونية في كل عهد، بأن الإصلاحات الكبرى يجب ألا تصاحبها أخطاء أو آلام أو تضحيات، وأن العرب، من دون خلق الله جميعاً وبعكس كل قوانين التاريخ والاجتماع، يجب أن يظلوا إلى الأبد ممدودي اليد لمن يتصدق عليهم بهذا الفتات أو تلك المكرمات إن سمح له كرمه بذلك .

لا توجد مبالغة في رسم الصورة، فالأحداث اليومية تؤكدها . وما يهمنا هو أن لا يتأثر شباب الثورات ببؤسها، ففي أعماق تلك الصورة يكمن الآتي:

أولاً: منذ أكثر من ستين سنة كتب الكاتب الجزائري مالك بن نبي بأنه لكيلا نكون مُستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار، وقد أوضح الكاتب في كتابه الشهير شروط النهضة الكثير من علل ونواقص المجتمعات العربية، التاريخية والاجتماعية والنفسية والروحية منها، التي أدّت إلى تلك القابلية في بلاد العرب .

وإذا قرأ شباب الثورات ذلك الكتاب والكتب المماثلة التشخيصية فسيجدون أن العلل نفسها كانت ولاتزال هي السبب للقابلية لقبول الاستبداد والقهر والظلم الداخلي . ولذلك فإن الخروج من تلك القابلية سيكون عملية عسيرة ومؤلمة وطويلة الأمد . وسيكون الخروج من القابلية للاستعمارين الخارجي والداخلي على السواء .

ثانياً: بسبب تلك القابلية للاستعمار والاستبداد، والتي كانت حصيلة تاريخ طويل من التخلف الحضاري، بعد التراجع المعروف للحضارة العربية الإسلامية المبهرة، فإنه من الضروري الإدراك بأنه حتى لو نجحت ثورات وحراكات الربيع العربي في تحقيق الأهداف السياسية وانتقلت المجتمعات إلى نظام ديمقراطي معقول فان ذلك لن يكفي . فالربيع العربي، إذا أريد له أن يكون نهوضاً حضارياً، لن يكتمل ولن يستمر في أفق المستقبل البعيد إلا إذا ترافق مع الثورة السياسية قيام ثورات فكرية وثقافية وروحية وأخلاقية .

إن ذلك يتطلب من شباب الثورات أن يعملوا على تواجد المثقفين والمفكرين وعلماء الدين المستنيرين في مقدمة الصفوف ليحموا ثوراتهم من هرطقات بعض الإعلاميين وعلماء الدين المتزمتين وكتاب السلاطين . ذلك أن أحد أهم أسباب الفشل في أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي كان غياب الفكر والثقافة والروح السامية والقيم الضابطة للسياسة وجموحاتها .

ثالثاً: للمرة الألف نقولها مع القائلين إنه ما لم ينتقل شباب الثورات من صنع الثورات إلى ممارسة العمل السياسي المنظم، على مستوى أقطارهم وعلى مستوى وطنهم العربي الكبير فإنهم سيقضون عمرهم في إصلاح مايفعله الآخرون بهذه الثورات، أحياناً باسمهم وأحياناً بادعائهم بأنهم صانعو ومفجّرو الثورات .

إن ظهورهم على شاشات التلفزيون أو كتابة الكتب باللغة العربية أو اللُغات الأجنبية أو تلبية دعوات مؤسسات العلاقات العامة في الداخل والخارج لم ينجح ثورة، ومن المؤكد لن يجعلها مستمرة بعد نجاحها . إن ذلك لم يحل محل إقدامهم على تكوين الكتلة التاريخية المنظمة الحاملة لواء الثورة السياسية - الاقتصادية - الثقافية المطلوبة، الكتلة القادرة على تحقيق الانتصارات اليومية التراكمية المفجّرة للأمل والطموح والجهد في صفوف الجماهير .

بدون ذلك ستكون الثورات ثورات عاقرة غير قادرة على ولادة أية حضارة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"