الخليج العربي وتركيا

05:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تحرص دول الخليج العربي؛ وفي مقدمتها السعودية والإمارات على إقامة علاقة أخوة وتعاون مع كل الدول العربية والإسلامية دون استثناء، وفي مقابل انتهاجها لسياسة اليد الممدودة، القائمة على مبادئ المحبة، وحسن الجوار؛ نجد قوى إقليمية، وعلى رأسها تركيا، تعمل بشكل مكشوف على زرع الفرقة والانقسام بين الدول الخليجية، وتسعى إلى تهديد أمنها واستقرارها، كما تحرص على الدخول معها في منافسة غير شريفة فيما يتعلق بمصالحها الجيوسياسية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد بدأت هذه السياسية غير الودية لتركيا نحو الخليج تخرج إلى العلن منذ اندلاع ما بات يُعرف بالأزمة الخليجية؛ عندما قررت أنقرة أن تصطف إلى جانب قطر في مواجهتها المفتوحة مع جوارها الإقليمي سنة 2017، وقامت بعدها في خريف سنة 2018 باستثمار حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة فجة ومفضوحة؛ من أجل النيل من سمعة المملكة العربية السعودية على المستوى الدولي. وسبق لأنقرة في السياق نفسه، أن أفصحت عن أطماعها التوسعية تجاه المنطقة؛ عندما عملت سنة 2016، على إقامة قواعد عسكرية خارج أراضيها.
وتشير الباحثة دوروثي شميد إلى أن النظام الحاكم في تركيا يسعى إلى استعادة أمجاد السلطنة العثمانية؛ من خلال العمل على تفعيل دوره، وتكثيف وجوده في دول البلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث قام باستثمار الأزمات التي شهدتها الدول العربية منذ سنة 2011؛ من أجل دعم تيار الإسلام السياسي في المنطقة، وانتابه إحساس شديد بالإحباط؛ بعد سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر سنة 2013، وهو يعمل الآن على استثمار حضوره العسكري شمالي سوريا، وفي قطر وليبيا؛ من أجل التأثير على مسار الأحداث في المنطقة العربية برمتها؛ ومع ذلك فإن المراقبين يؤكدون أن السياسة الخارجية التركية عادة
ما تفقد صوابها، وتصل إلى مستوى الهيجان؛ عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع منطقة الخليج العربي.
ومن الواضح أن انصهار النزعة القومية التركية التي أرسى قواعدها كمال أتاتورك مع الحنين لأمجاد الدولة العثمانية، خلق مزيجاً سياسياً غير مسبوق يتميّز بنزعة هجومية «أردوغانية» ملفتة للنظر؛ من أجل فرض الأجندة التركية على المحيطين العربي والإسلامي؛ وبالتالي فإنه وبالرغم من محاولة أنقرة، قبل سنة 2017، الإبقاء على علاقة طبيعية مع السعودية والإمارات، فإن خلفيتها «الإخوانية» دفعتها إلى التكشير عن أنيابها، والإفصاح
عن نواياها الحقيقية نحو منطقة الخليج؛ نظراً لقناعتها أنها لا تستطيع استعادة «أمجادها» من دون إخضاع الخليج، وتحقيق السيطرة على ثرواته، وعلى تراثه الديني والحضاري.
ويذهب المراقبون إلى أن هناك تحولات جذرية في السياسية الخارجية التركية منذ سنة 2002؛ هدفها استعادة مقام القوة الذي فقدته مع بداية القرن الماضي؛ لتحقيق التأثير الاستراتيجي المنشود، وإيجاد أسواق دائمة للاقتصاد التركي؛ من خلال العمل على تحويل الأزمات العربية إلى لحظة امتياز تركي قائم على محاولة تسويق النموذج الحالي للحكم في تركيا، المعتمد على المزج بين التنمية الاقتصادية والقيم التقليدية المحافظة، نحو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتطمح تركيا في هذا السياق إلى التشويش على القيادة السعودية الحكيمة للعالم الإسلامي؛ من خلال المساهمة في تأسيس تكتلات سياسية منافسة للتجمعات الإسلامية التي ترعاها الرياض، وظهر ذلك جلياً؛ من خلال القمة الإسلامية المصغرة التي انعقدت مؤخراً في ماليزيا؛ في الوقت الذي ترى فيه دول الخليج، أن مثل هذه القمم يفترض أن تنعقد تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة إسلامية.
ونستطيع أن نسجل بأن التحركات التركية في الخليج، تعمل بشكل واضح على محاصرة دول المنطقة، وتسعى إلى توظيف ما تمتلكه من قدرات اقتصادية وعسكرية؛ من أجل الإساءة إلى مصالحها الحيوية؛ حيث حاولت في عهد الرئيس السوداني المخلوع أن تضع يدها على ميناء سواكن على البحر الأحمر؛ من أجل التحكم في مضيق باب المندب؛ وهناك في المرحلة الراهنة مؤشرات كثير،ة تؤكد أن أنقرة منزعجة من الحضور اللافت لدول الخليج على الساحة الدولية، وبالتالي فهي تبذل الآن قصارى جهدها؛ من أجل التضييق على الدور الريادي للسعودية والإمارات على الصعيدين العربي والإسلامي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"