الديمقراطية.. مشروعاً تاريخياً

02:43 صباحا
قراءة دقيقتين
حسام ميرو

حين فاز إسلاميو الجزائر في عام 1991 عبر صناديق الانتخابات، اعتبروا أن وصولهم من خلال آلية ديمقراطية يسمح لهم بإلغاء الديمقراطية، وهو ما صرّح به آنذاك علي بلحاج نائب رئيس جبهة الإنقاذ، والذي قال: «هذا يوم عرس الديمقراطية، وهذا يوم مأتمها»، وحين تمكّن تنظيم «داعش» من السيطرة على مدينة الرقة السورية في يناير/‏ كانون الثاني 2014، ملأ التنظيم مدينة الرقة بلافتات تعتبر أن «الديمقراطية كفر»، كما أن بعض الأنظمة العربية التي تتضمن دساتيرها آليات انتخابية، تحوّلت فيها الديمقراطية إلى مجرد مسرحية بيد النظام السياسي الحاكم.
وبين قوى سياسية لا تنتمي إلى العصر، وأنظمة سياسية تغلق الفضاء العام أمام أي تطور للقوى الحيّة للمجتمعات، يصبح المشروع الديمقراطي في العالم العربي هو الضحية، خصوصاً مع وجود قصور مزمن في وعي النخب السياسية الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء لمسألة الديمقراطية، حيث يتم اختصارها إلى مجرد صندوق اقتراع، بعيداً عن سياق تطورها بوصفها إمكانية قابلة للنمو، وثمرة من ثمرات التقدم الاقتصادي- الاجتماعي.
إن صورة العالم العربي اليوم هي صورة كارثية بكل المقاييس، إذ تشير تفاصيل هذه الصورة إلى ما يشبه حتمية الصدام بين النظام السياسي الرسمي وبين القوى المجتمعية، من دون أن تكون هناك قوى وسيطة، يمكن لها أن تحمي الدولة والمجتمع من الانفجار، فقد تحوّلت معظم تلك القوى الوسيطة، والتي يفترض أنها تمثل مصالح الفئات الاجتماعية، إلى مجرد ديكور.
لقد تعاملت الأنظمة العربية مع الديمقراطية على أنها مشروع مؤجل، ووجدت على الدوام عدداً كبيراً من الذرائع الداخلية والخارجية، ولجأت إلى بعض آليات الديمقراطية لتحسين صورتها في أوقات الأزمات، كما أن بعض النخب اليسارية العربية اعتبرتها قضية بورجوازية محضة، ليست ذات صلة بنيوية بالمشروع الاشتراكي، في الوقت الذي رأت فيه التيارات الإسلامية الديمقراطية كمتلازمة للمشاريع الغربية الاستعمارية، وهكذا بقيت الديمقراطية، والمشروع الديمقراطي، حبيسة السجالات الفكرية، غير المؤثرة في واقع الصراع الاجتماعي والسياسي.
إن صيرورة ما يسمى «الربيع العربي» على مأساويتها، أعادت سؤال الديمقراطية كمشروع تاريخي إلى الواجهة، والحاجة إلى استدعاء منظومة مفاهيمية متكاملة مرتبطة بالديمقراطية، إذ لا يمكن فصل مسار الديمقراطية عن مسار العقلانية، والنقد، والمسار التربوي- الأكاديمي، وحرية البحث الفكري والعلمي، وحق وجود ممثلين للفئات الاجتماعية المختلفة، وتطوير الدساتير، وفصل السلطات الثلاث (القضائية والتشريعية والتنفيذية)، والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان.
وبناءً عليه، فإن الديمقراطية كمشروع تاريخي هي مسار أعمق وأكثر شمولاً من الديمقراطية السياسية، كما أن الديمقراطية السياسية هي واحدة من ثمرات المشروع الديمقراطي، مع التأكيد أنه لا يجب تحت أي عنوان من العناوين تجاوز ضرورة الديمقراطية السياسية كحامل من حوامل استقرار المجتمعات، وأحد مؤشرات نضجها وتطورها، وبالتالي فإن تزامن مسار المشروع الديمقراطي كمشروع تاريخي، مع مشروع الديمقراطية السياسية هو أمر حتمي، ولا يمكن الفصل فيما بينهما.
إن تجاوز مخاطر الانتكاس إلى ما قبل الدولة الوطنية في العالم العربي، ستبقى مخاطر قائمة وراهنة، ولا سبيل إلى تجاوز تلك المخاطر من دون إعادة ربط الدولة الوطنية بالديمقراطية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"