الرهانات الجيواستراتيجية للهند

02:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي
يكتسب الحديث عن الدول الصاعدة وفي مقدمها الهند أهمية قصوى بالنسبة للأمن الإقليمي لمجمل الدول العربية، فضلاً عن مقتضيات الأمن القومي العربي المشترك الذي يتطلب نسج شبكة متنوعة من التحالفات مع الدول المؤثرة أو المرشحة لأن تكون شديدة التأثير في رسم السياسات العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة. وذلك من أجل تجاوز أفكار مرحلة الثنائية القطبية الموروثة عن فترة الحرب الباردة من جهة، ومرحلة الأحادية القطبية التي دشنتها الولايات المتحدة مع بداية سنة 1990 من جهة أخرى، لأن التحولات التاريخية التي يشهدها المسرح السياسي والجيواستراتيجي الدولي، تشير إلى أن فلسفة العلاقات الدولية يُفترض أن ترتكز على استثمار التأثيرات المحتملة للفاعلين الجدد الذين يملكون رؤى وتصورات قادرة على خلق توازنات جديدة على مستوى كل مناطق المعمورة، لأن الغرب كما يشير إلى ذلك المفكر الفرنسي برتراند بادي لم يعد وحده في الساحة الدولية، بعد أن بدأ الهامش يخلق مراكز قوة جديدة في العالم.
لقد ظلت الهند منذ حصولها على الاستقلال، قوة إقليمية كبرى من خلال سعيها إلى المحافظة على الاستقرار عبر مناطقها الحدودية، وتمسكت بمبدأ عدم الانحياز خلال سنوات عديدة، وكانت من بين البلدان الرائدة التي ساهمت في تأسيس تكتل دولي خاص بدول الجنوب، لكن سياستها بدأت تتغير تدريجياً مع بداية التسعينات من القرن الماضي لتتواءم مع صعودها الاقتصادي ورفعت شعار: «النظر نحو الشرق»، سعياً منها إلى الالتفاف على القوة الصينية المهيمنة ومن أجل حماية حقها في المرور عبر مضيق «مالكا». كما أنه وبموازاة علاقاتها المتميزة مع روسيا، قامت الهند بداية من سنة 1999 بالاقتراب من الولايات المتحدة الحليف التقليدي لجارتها اللدودة باكستان، وأبرمت معها اتفاقيتين الأولى متعلقة بالتعاون الاستراتيجي والثانية بالتعاون النووي.
ويلاحظ المراقبون لشؤون شبه الجزيرة الهندية أن محاولة التحكم في الممرات البحرية صار يشكل إحدى الأولويات الرئيسية بالنسبة للسياسة الدفاعية للهند لأن 90 في المئة من تجارة هذه الدولة تتم عن طريق البحر، وستكون الهند مع مطلع سنة 2050 إحدى أكبر الدول استيراداً للنفط في العالم؛ وبالتالي فإن نيودلهي تسعى إلى تطوير قوتها العسكرية وأسطولها البحري من أجل التصدي للتحديات الأمنية الكثيرة التي تواجهها الآن، وبخاصة على مستوى الأخطار البحرية كالقرصنة وتهريب المخدرات والإرهاب الذي أضحى يشكل هاجساً كبيراً بالنسبة للسلطات الهندية منذ أحداث مومباي سنة 2008 التي أدت إلى مقتل 166 شخصاً، لاسيما وأن التحقيقات أوضحت أن المهاجمين دخلوا المدينة عن طريق البحر، وبالتالي فإن حماية الشواطئ الهندية التي يصل طولها إلى 7516 كلم، يأتي في قمة الأولويات بالنسبة للقيادة السياسية في البلاد.

وعليه فقد بلورت الهند بداية من سنة 2009 نظرية عسكرية جديدة تحدّد من خلالها رهاناتها الجيواستراتيجية الجديدة، وقد حرصت هذه الاستراتيجية على تأمين الحدود مع الصين وباكستان من جهة، وعلى تحديث الإمكانيات النووية من أجل تجاوز الحصار الصيني - الباكستاني المحتمل. وقامت بناء على ذلك بمضاعفة ميزانيتها العسكرية بداية من سنة 2000، ووصل الارتفاع في هذه الميزانية فيما بين سنة 2006 وسنة 2008، إلى حدود 40 في المئة وتجاوزت سقف 46,8 مليار دولار. ويُنتظر بحسب المحللين وفي مقدمهم فليب بولنجي، أن تتجاوز الميزانية العسكرية للهند الحد الأقصى لميزانية بعض الدول الغربية الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا مع بداية سنة 2020، حيث إنه وبموازاة تعاونها العسكري مع روسيا في مجال الصناعات الصاروخية، ستحصل الهند على دفعة أولى من طائرات رافال الفرنسية، كما أنها تسعى في السياق نفسه إلى تزويد قواتها البحرية ب 24 غواصة متطورة قبل مطلع سنة 2030، وإلى تطوير حاملات الطائرات التي تقوم بحماية الضفتين الشرقية والغربية للشواطئ الهندية.
ونستطيع أن نخلص بناء على ما تقدم، أن الهند تحرص منذ سنوات عديدة على إقامة علاقات جيدة مع العديد من الدول العربية، حيث إنه وبالإضافة إلى الدول العربية التي كانت تربطها بها علاقة قوية منذ تأسيس مجموعة عدم الانحياز، مثل مصر والجزائر وسوريا والعراق، فقد سعت الهند منذ مرحلة السبعينات من القرن الماضي إلى تطوير علاقاتها مع دول الخليج وفي مقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تربطها بها علاقات استراتيجية جد متميزة. ويمكننا أن نشير في خاتمة هذا التحليل، إلى أن العلاقات العربية بدول آسيا وفي طليعتها الهند والصين تكتسي في المرحلة الراهنة، أهمية قصوى بالنسبة لمستقبل العلاقات العربية مع الدول الكبرى والصاعدة، بخاصة وأن الرهانات الجيواستراتيجية للهند تضع في قمة أولوياتها الرئيسية، تطوير علاقاتها مع منطقة الشرق الأوسط التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من منظومة أمنها القومي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"