الروافع السياسية لمواجهة الأزمات الاقتصادية

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي*

بين المشكلات الكثيرة التي تواجه كتّاب ومحللي الاقتصاد السياسي للنمو، أن السياسات التي يقترحونها تواجه خطر الظهور بمظهر عدم القابلية للتطبيق، أو عدم الجدوى السياسية، وذلك في المدى القصير على الأقل، ومن المحزن المؤسف أن الزعماء السياسيين، في أي ديمقراطية كانت، نادراً ما يتوقعون المشكلات، وإنما يكتفون بردود الفعل تجاه الأزمات، حقيقية كانت أم مصطنعة، والسؤال المحوري هنا هو: ما الروافع السياسية التي يمكن استخدامها حينما تقع الأزمات؟ والإجابة الأكثر ترديداً عن غيرها، هي الاستعانة بالوصفات والأفكار الخاصة بالسياسات، والتي ترشح من المجتمع الأكاديمي أو مراكز البحث والتفكير، الموضوعة على الرف، ونفض الغبار عنها، ومن ثم تكتب في القوانين بصورة ما، ومن الأمثلة على التغيير في السياسات كرد فعل على الأزمات على مر التاريخ الأمريكي، على سبيل المثال، أن قانون التسجيل والإفصاح للأوراق المالية عامي 1933 و1934، وقانون جلاس ستيجال عام 1933 الذي فصل البنوك التجارية عن الاستثمارية، لم يتم اعتمادها إلا بعد أن كان الكساد الكبير قد بات حقيقة واقعة، كما أن قوانين الإصلاح المصرفي قد أدخلت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بعد موجة فشل مؤسسات الإيداع، كذلك لم يتم اعتماد قانون سربنس أو كسلي إلا بعد تفجر فضائح متعددة للشركات في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، لقد كانت تلك القوانين أشبه بغلق باب الحظيرة بعدما كانت الخيول قد لاذت بالفرار، بل تحوّلت في بعض الحالات إلى أدوات غير منتجة يصعب إبدالها أو تعديلها (المثال الأشهر على هذا، حالة السيناتور كارتر جلاس، أحد رعاة قانون جلاس - ستيجال والذي دعا إلى إلغاء القانون الذي رعاه، وذلك بعد عامين فقط من العمل به، (وهي النصيحة التي لم تجد أذناً صاغية لأكثر من ستين عاماً)، كما تتغير السياسات حينما ينجح القادة السياسيون في «اصطناع» الأزمات من مشكلات قائمة منذ زمن طويل، بهدف خلق حالة طارئة يحتاجون إليها للتعبئة السياسية، خصوصاً عندما تكون هناك حاجة إلى نشاط بالكونجرس، ومن الأمثلة على هذا: إعلان الحرب على الفقر في الستينات، وتبسيط التشريع الضريبي عام 1986، وإصلاح الرفاه الاجتماعي في التسعينات الذي مثّل تفكيكاً جزئياً للحرب على الفقر، غير أنه لم تؤد كل تلك الأزمات المصنوعة إلى تغيير في السياسات العامة مثل المسعى الجريء للرئيس بيل كلينتون لإصلاح الرعاية الصحية في فترة الرئاسة الأولى، ومحاولة الرئيس جورج دبليو بوش إصلاح نظام الضمان الاجتماعي في فترة الرئاسة الأولى، وقد تعثرت كلتا المحاولتين بسبب فشل الرأي العام في تقدير الحاجة الملحة للإصلاح و/ أو لأنه لم يكن هناك اتفاق حول كيفية هيكلية الإصلاح، وبصفة عامة ينزع الرأي العام نحو رؤية النمو الاقتصاد كمسألة دورية أكثر من كونها هيكلية، أي يتم الاهتمام بها فقط أثناء دورات الركود، فلا يمكن التوقع من الجمهور (أو حتى الاقتصاديين) التمييز بين القصور الدوري في الناتج الكلي وبين انحدار النمو الاقتصادي، والأمر الأكثر صعوبة أنه ليس باستطاعة الرأي العام أو القادة السياسيين أن يتصوروا بسهولة أن النمو يمكن أن يصبح على المدى الطويل أعلى مما هو عليه الآن إذا تم اعتماد سياسات معينة للنهوض بالابتكار والتجديد والتوسع الاقتصادي.


* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"