الروهينجا والسقوط الأخلاقي

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
ليس غريباً ذلك الصمت القاتل، الذي يسود العالم، أمام الجرائم الوحشية التي ترتكب في بورما، بحق أقلية الروهينجا المسلمة، فهذا العالم الذي أشبع حتى التخمة بإنجازاته واختراعاته العلمية، وتطوره الحضاري، يعاني من أزمة أخلاق مستفحلة، يبدو أنها تواكب وتساير ما يدعيه من إنجازات حضارية.
فبغض النظر عن الدين أو العرق، الذي يستهدفه القتل الوحشي، لأبناء طائفة الروهينجا في بورما (ميانمار)، فإن ثمة جريمة تاريخية كبرى ترتكب بحق أناس أبرياء أمام مرأى وعلى مسمع هذا العالم، الذي يبدو أنه أصيب بالصمم والعمى الانتقائي والاختياري. فقتل الناس في بورما بأبشع الوسائل والطرق لا يهز ضمير هذا العالم الذي يدعي التمدن، كما تهزه نتيجة مباراة غير متوقعة في كرة قدم، أو فضيحة لأحد مشاهيره الغارقين في نعم الإعلام ونفاقه.
حيث إن إحراق آلاف المنازل بأهلها في مناطق شمال غربي ميانمار التي يشكل الروهينجا أغلب سكانها في واحدة من أشد موجات العنف ضد الأقلية المسلمة خلال عقود، يمر في وسائل الإعلام مرور الكرام، رغم أن عشرات الآلاف من الروهينجا فروا إلى بنجلادش نتيجة أعمال العنف في حين يواجه عمال الإغاثة صعوبات للتعامل مع الموقف المتدهور هناك.
وبحسب الفارين إلى بنجلادش من الروهينجا فإن جيش ميانمار يقوم بحملة حرق وقتل تهدف إلى إجبارهم على الرحيل.
جرائم يكتفي العالم بمراقبتها جامداً كمن وقف على رأسه الطير، أو ينتقدها كلامياً بلغة دبلوماسية ناعمة، كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا القوة الاستعمارية السابقة لميانمار التي اكتفت بالقول: إنها تأمل أن تستخدم رئيسة الوزراء أونج سان سو كي «مهاراتها الملحوظة» لإنهاء العنف.
أكثر من مليون مسلم من طائفة الروهينجا، يتعرضون للذبح والحرق والقتل اليومي والتهجير القسري، لم يستحقوا من الدولة الاستعمارية السابقة لبورما أكثر من أمل الحكومة البريطانية في أن تمارس سو كي مهاراتها في إنهاء العنف. كما جاء على لسان وزير الخارجية بوريس جونسون الذي قال في بيان له: «تعد أونج سان سو كي حقاً واحدة من أكثر الشخصيات إلهاماً في عصرنا لكن للأسف معاملة الروهينجا تلوث سمعة بورما».
وبالتأكيد ما يقال في الموقف البريطاني، يقال في المواقف الغربية الرسمية الأخرى، التي يبدو أنها غير معنية بما يجري في بورما، إلا إذا مس مصالحها الاقتصادية في هذا البلد.
وعلى الرغم من إدانة الأمم المتحدة الخجولة في العام الماضي للمجازر التي ارتكبت ضد مسلمي الروهينجا ودعوتها الزعيمة َالسياسية في ميانمار أونغ سان سو كي لطمأنة المدنيين إلى أنهم سيتمتعون بالحماية، وسط اتهامات بأن جنوداً اغتصبوا نساءً وأحرقوا منازل، وقتلوا مدنيين، إلا أن خطوات عملية وجادة لم تتخذ من قبل المجتمع الدولي، إزاء جرائم بهذا الحجم، ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
ويمكننا القول إن ارتكاب مذابح بشعة بحق المسلمين برعاية الدولة وتحت مرأى منظمات العفو الدولية المهمشة، يذكر بالجرائم التي ارتكبت وترتكب ضد الشعب الفلسطيني، على يد الاحتلال «الإسرائيلي»، فبعد حملات من التضليل والزيف والتحريض المكشوف لسنين عدة، أمام مسمع ومرأى ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان بالعالم، التي امتهنت الكذب والكيل بمكيالين، باتت الجرائم ضد المسلمين في بورما وعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المشهد الأكثر بروزاً في ذلك البلد على مدى سنوات طويلة، لا سيما وأن كل التقارير الإخبارية تشير إلى أن السلطات البورمية وعناصر من طوائف عدّة بولاية أراكان قد ارتكبوا جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان بحق الروهينجا المسلمين في الولاية، وذلك منذ يونيو/حزيران 2012 وحتى الآن، الأمر الذي يستدعي وجوب عمل دولي حقيقي وصادق لرفع الظلم عن الروهينجا، الذين يموتون كل يوم بأبشع الطرق سواء على يد القوات الحكومية أو الميليشيات المساندة لها، من دون أن يتحرك هذا العالم المراوغ والكاذب، لإدانة هذه الجرائم الكبرى ووضع حد لها.
وأخيراً، لا بد من القول إن تفجر أزمة الروهينجا من جديد في بورما يؤكد الحاجة لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة الدامية التي يذهب ضحيتها الأبرياء من دون أي ذنب ارتكبوه، سوى أنهم يعتنقون هذا المذهب أو ذاك، وإن فشل أو تقصير المجتمع الدولي في وقف هذه المجازر يؤكد من جديد ذلك السقوط الأخلاقي الكبير الذي يعاني منه عالمنا الحالي المتخم بالشعارات الكاذبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"