الشيخ محمد بن راشد والسير في دروب المعالي

في اليوم الميمون . . 4 يناير
03:56 صباحا
قراءة 6 دقائق
عبد الغفار حسين
عندما شرعت في كتابة هذا الحديث فكرت أن أجعل حديثي ينصب على السنوات التسع التي مضت على تولي الشيخ محمد بن راشد الحكم في دبي ورئاسة مجلس الوزراء الاتحادي بين السنوات 2005-،2014 وما تم في هذه السنوات القليلة التي تعد على الأصابع من المنجزات العمرانية في البنى التحتية والفوقية، وفي مختلف أوجه الحياة العامة في إمارة دبي على وجه التحديد .
ولكن رأيت أمامي كماً هائلاً من الأعمال والمشروعات ذات النفع العام التي أنجزها الشيخ محمد بن راشد، والتي ما يكاد المرء يذكر مشروعاً منها، حتى يظهر له آخر يزاحمه في طابور صف طويل، فوجدت أنني لن أستطيع في مقال أو مقالات محدودة العدد أن أحصيها، ولابد من تحقيق سلسلة من الأحاديث تعميماً للفائدة وإظهاراً للواقعية والحقيقة .
وليست هذه الأعمال المشار إليها والتي أنُجزت خلال هذه السنوات التسع أو قبلها بسنوات قليلة على يد هذا الباني الكبير الذي هو محمد بن راشد، بالتي تخفى على الناس علومها أو معالمها، فهي بادية للعيان، وتتحدث عن نفسها، ويتحدث عنها الرائح والغادي في كل مكان، في داخل الإقليم الخليجي وفي خارجه . ومن هنا رأيت أن يُختصر موضوعي في هذا الحديث على موجز وطرف من السيرة الذاتية لهذا الزعيم الذي كانت الإمارات تتطلع إلى وجوده ليكون رباناً معاضداً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان . واختصر حديثي هنا عند محطات كان للشيخ محمد بن راشد دور بارز فيها، وبفضل هذه الأدوار الإيجابية استطاعت الإمارات أن تتغلب على الصعاب وتشق طريقها لا تلوي على شيء، منذ ذلك الوقت وحتى الآن .
والحقيقة أن دبي كانت في حاجة ماسّة إلى من يمسك زمامها مسكاً قوياً لئلا يقف بها السير وهي تمشي إلى الأمام خطوة تلو خطوة، بعد أن ذهب أحد بُناتها الكبار المغفور له الشيخ راشد بن سعيد عام ،1990 وكان هذا الماسك القوي والنوخذا الماهر ورجل الدولة محمد بن راشد بن سعيد الذي شاء حظ دبي السعيد أن يؤول الأمر إليه ويحقق هو ماكانت نفسه تصبو إليه في الوصول إلى المعالي . . إذ راوده هذا التطلع وهو في ريعان صباه، قبل أربعين عاماً تقريباً عندما قال من ضمن قصيدة جميلة السبك والمعنى:
نفسي تحب صعودها عن حدرها
واصارع أفكار بعيد مداها
هذه الأفكار بعيدة المدى عند محمد بن راشد، هي في الحقيقة أن يكون مماثلاً لأبيه الشيخ راشد بن سعيد، ولجِدّيه الكبيرين، سعيد بن مكتوم، ومكتوم بن حشر في البناء والتعمير، وكذلك لخاله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه:
نبني كما كانت أوائلنا تبنى
ونفعل مثل ما فعلوا
وكان المغفور له الشيخ راشد بن سعيد ثاقب البصيرة، وكان يرى في ابنه محمد بن راشد كوامن من الكفاءة الإدارية، وأن كفاءته هذه تؤهله لتبوؤ مراكز عالية، فأرسل ابنه إلى بريطانيا لكي يتعلم ويلتحق بالتدريب العسكري، وكنا جمعاً في مجلس الشيوخ مع الشيخ راشد وهو يتحدث دائماً متهلل الوجه عن ابنه، وتقدمه في الدراسة . . وجاء محمد بن راشد بعد انتهاء الدراسة ليوليه أبيه أمراً لم يكن بالإمكان أن يتولاه غير أولي الشكيمة، وهذا الأمر هو الأمن العام والشرطة . وقام محمد بن راشد بمهمته التي أجمعت عليها الناس يومئذ أن القوس قد أعطيت لباريها، وأن هذا الشاب سوف يحسن عمله ويتقنه . . وأوّل شيء فعله محمد بن راشد هو توطين الشرطة على أسس عصرية وتخليصها من الشوائب والفساد التي لحقت بها على يد جندي أجنبي جاهل، وأزداد إعجاب الناس به، وزادت فيه ثقة أبيه .
وعندما بدأت المفاوضات بين الإمارات السبع والبحرين وقطر لإنشاء دولة خليجية موحدة، وخاصة بعد إعلان الانكليز الانسحاب عام ،1968 كان محمد بن راشد أحد الذين لعبوا دوراً محورياً في التقارب بين وجهات النظر المطروحة على ساحة المفاوضات، وكان يشارك أبيه مشاركة واعية في كل الجلسات والمحادثات التي كانت تُعقد في دبي وفي أبوظبي وقطر . . وعندما اتجهت النية لاختصار اتحاد الإمارات، على الإمارات السبع، كان محمد بن راشد في رأس قائمة المرشحين لتولي مناصب إدارية مهمة في الدولة الجديدة، الإمارات العربية المتحدة .
وقد كانت البادرة الأولى لبروز محمد بن راشد على الصعيد الإقليمي والشرق أوسطي، هي مرافقة والده في الحفل العالمي الكبير الذي أقامه شاه إيران محمد رضا بهلوي بمناسبة مرور ألفي سنة على (الشاهنشاهية الإيرانية)، وفي هذه الاحتفالات قدم الشيخ راشد ابنه محمد لزعماء العالم الذين حضروا تلك الاحتفالات، وكان الشيخ محمد بحيويته وشبابه وثقافته نجماً من نجوم الشخصيات العالمية هناك، وكان لكاتب هذه السطور شرف مرافقة المغفور له الشيخ راشد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله وذلك في سبتمبر من عام ،1971 أي قبل إعلان اتحاد الإمارات العربية المتحدة بشهرين تقريباً . وكان من أبرز الزعماء الكبار الذين حضروا هذا الحفل في مدينة شيراز التاريخية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكان الكل يعرف أن هذه الشخصية الكبيرة ستتولى رئاسة الدولة الجديدة القادمة .
وغنى عن القول إن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في عام ،1971 كانت أكبر قيمة مضافة ليس على الصعيد الإقليمي فحسب بل على الصعيد العربي والعالمي عامة لما أوحت إليه تركيبتها السياسية من ميزات انفردت بها وهي التركيبة الفيدرالية، ونجاح هذه التركيبة نجاحاً جعل كثيراً من دول أخرى تتطلع إلى تطبيقها . . وكان تولي محمد بن راشد وزارة من وزارتها المهمة، وهي الدفاع والقوات المسلحة شهادة قاطعة من المجلس الأعلى لحكام الإمارات على ما يتمتع به محمد بن راشد من مؤهلات لهذا المنصب . وسرعان ما أثبت محمد بن راشد قدرته الفائقة على الإدارة الجيدة لهذا المرفق الحيوي حيث كانت القوات المسلحة التي كان يشرف عليها الانكليز وتسمى قوة الساحل تتكون من قوات وجنود بعضها من عناصر من غير أهل الإمارات، وقام الشيخ محمد بن راشد بتوحيد القيادة وتوطينها وجعل ولاءها للوطن وللقيادة الوطنية وهي الصفات التي لابد أن تكون من أولويات مبادئ أي جيش وطني، وأي قيادة ماهرة تقود هذا الجيش . . وكان الطريق ممهداً أمام الشيخ محمد بن راشد ليقدم على هذه الخطوة الإصلاحية بسبب الخبرة التي اكتسبها من إدارته لشرطة دبي وجهاز أمنها العام، بالإضافة إلى ثقافته العسكرية والعامة . ولم يكد الشيخ محمد يستلم زمام أمر الجيش حتى ظهرت في الأفق مشكلة المغرر بهم من أبناء الإمارات الشباب، الذين خدعتهم الشعارات التي كانت ترفعها ما سميت (بجبهة تحرير الخليج العربي) والذين كان الجيش قد اعتقلهم، وتم التعامل مع هؤلاء من قبل الشيخ محمد بكل حنكة وتدبير، حيث اجتمع بهم واستطاع إقناعهم بالعفو عنهم، والعودة إلى صفوف المواطنين العاملين من أجل خير الوطن . . وكان هذا الموقف هو من المواقف التي أثبت فيها محمد بن راشد أنه من الكبار اللائقين للزعامة والقيادة .
لقد وقف محمد بن راشد موقفاً بطولياً صلباً بتوجيه من المغفور له رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان من الفتنة التي حدثت في الشارقة عام ،1972 والتي راح ضحيتها الشهيد خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة السابق، وكان لمحمد بن راشد الفضل الأكبر في إخماد نار هذه الفتنة واعتقال متسببيها دون إراقة دماء . . وفي رأي أي مؤرخ لاينهج غير طريق الحقيقة أنه لولا إخماد هذه الفتنة الشنعاء، فإن مصير الدولة الاتحادية وهي في باكورة نشأتها كان في مهب العواصف والرياح العاتية، وتاريخ الإمارات يسجل للشيخ محمد بن راشد هذه المأثرة ووقوفه الشجاع في وجه العاصفة الهوجاء .
وتوالت أحداث بعد ذلك كان للشيخ محمد بن راشد مواقف اتسمت بالحكمة وبالقيادة الرشيدة يدونها تاريخ الإمارات في سجل مضيء، بالإضافة إلى منجزات عمرانية وثقافية قلما تم تحقيقها في المنطقة العربية والمجاورة، أرجو أن أتطرق إليها في الأيام القادمة إن شاء الله .
وها نحن في اليوم الرابع من يناير عام ،2015 وقد انقضت تسعة أعوام على تولي الشيخ محمد بن راشد زمام الأمور في دبي، ونائباً لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ورئيساً لوزارتها . . وفي هذه السنين التسع تغيرت أمور وحدثت أحداث في المنطقة العربية وخارجها ولكن الإمارات بفضل القيادة الرشيدة، ومسايرتها لروح العصر ومتطلباته، تقف بثبات يثير الاعجاب أمام الأحداث في الداخل والخارج، وتتعامل مع هذه الأحداث بالسبل الإيجابية والحضارية .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"